Quantcast
Channel: د. مرام عبدالرحمن مكّاوي
Viewing all 95 articles
Browse latest View live

الحوسبة السحابية.. هل تتغلب الميزات السحرية على الهواجس الأمنية؟

$
0
0

cloud-securityيُرتقب أن يكون للحوسبة السحابية من الأهمية والتأثير على حياتنا مثل ما نتج عن ولادة شبكة الإنترنت نفسها. نتحدث اليوم في 2012 عن الحوسبة السحابية على أساس أنها حلول تقنية جديدة نسبياً لجهة تبنيها من قبل الشركات، لكن الخبراء يتوقعون بأنه في أقل من عقد، وفي العام 2020 على وجه التحديد ستشغل الحوسبة السحابية جزءاً أساسياً ودائماً من البنية التحتية لمعظم الأنظمة التقنية التجارية. تقدِّم الكاتبة والمتخصصة في علوم الحاسبات  د.مرام مكاوي في هذا المقال تعريفاً عنها يشرح ميزاتها المتعددة والهواجس الأمنية المحيطة بها.

يقولون إن الحاجة أم الاختراع، واهتمامي الشخصي بالحوسبة السحابية جاء بعد حادثتين تعرضت لهما وهما تشكلان مثالين ممتازين عن أسباب حاجتنا لمثل هذه التقنية.

الحادثة الأولى تمثلت في انسكاب مقدار بسيط من قنينة ماء على جهازي المحمول، ولم تكن المشكلة في العطب الذي أصابه بقدر ما كانت في أنني قد تكاسلت عن عمل نسخ احتياطية لملفاتي المهمة وبالتالي فقدت بعضها للأبد. أما في الحادثة الثانية فقد احتفظت بملفات تحوي صوراً عن أوراقي الرسمية في ذاكرة تخزينية محمولة كنسخة إضافية، لكن هذه المرة لم يكن الجهاز هو الضحية، ولكن الذاكرة التي فُقدت وحساسية المعلومات الموجودة عليها والخوف من استغلالها في عمليات انتحال الشخصية (identity theft).

فبدأت بالتفكير في حلول أخرى لحفظ البيانات المهمة، بحيث يتوافر فيها الأمان بالإضافة إلى سهولة الوصول إليها من أي جهاز فكانت بداية علاقتي بالحوسبة السحابية.

ما هي الحوسبة السحابية؟
لعل أبسط طريقة لتحقيق فهم مبدئي عن الحوسبة السحابية هي النظر إليها على أنها تطبيق موجود على الإنترنت وأنت قادر على استخدامه دون الحاجة لمعرفة أية تفصيلات تقنية عنه، فكل ما تحتاج إلى معرفته من أجل الاستفادة من الخدمات التي يقدِّمها هي معرفة اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بك. والسحابة هنا ترمز لشبكة الإنترنت نفسها، فأنت ستستخدم التطبيق بنفس الميزات كما لو كان محملاً على جهازك الخاص، مع ميزة إضافية تجعل هذا النوع من الحوسبة وتطبيقاتها أكثر إغراءً هو أنك الآن تستطيع أن تستخدم التطبيق من كافة أجهزتك المحمولة وغير المحمولة بما فيها الهواتف الذكية، وأي تغيير تجريه من خلال أحد هذه الأجهزة، ستجد أنه قد تمت مزامنته (Synchronised) عبر كافة الأجهزة الأخرى.

الحوسبة السحابية تعني بأن الحوسبة تستخدم كخدمة يتم الاشتراك فيها عبر الإنترنت وليس كمنتج يتم شراؤه وتنصيبه على جهاز المستخدم. ولأنها خدمة اشتراك فهناك عدد كبير من الشركات التي تقدِّم هذه الخدمة ولكل شروطها712px-Nuage23 المختلفة وأنواعها المتعددة. فهناك شركات تتيح للأفراد أو الشركات مثلاً مساحة تخزينية مجانية محددة في السحابة الإلكترونية وفي حالة الرغبة في زيادتها فأمامهم خيارات عدة، فإما اشتراكات شهرية أو سنوية، أو اشتراك يدفع مرة واحدة كرخصة استخدام، وهناك خدمة الدفع بحسب الاستعمال، مما قد يوفر مبالغ كبيرة تصرف على أجهزة أو برامج ومساحات تخزين غير مفعلة بشكل كامل.

ويمكن لهذه السحب الرقمية أن تكون عامة، بحيث يتاح لأي عميل الوصول إليها عبر بيانات اشتراكه، وقد تكون أيضاً خاصة بشركة ما وموظفيها، أو قد تكون هجيناً بين السحابتين (العامة والخاصة) وهي ما تعرف بالهايبرد (Hybrid). وهناك نوع رابع يعرف بسحابة المجتمع (Community Cloud) وهي التي تستخدم من قبل مجموعات لها خصائص محددة مشتركة وتريد أن تتواصل مع بعضها وتتشارك في الموارد عبر الشبكة مثل المجتمعات التعليمية أو البحثية أو الأمنية.

لمحة تاريخية
والحوسبة السحابية ليست جديدة تماماً ولكنها في السنوات الأخيرة باتت متاحة للمستخدمين خارج مراكز الأبحاث والشركات العملاقة، ويعود الفضل لعالم الكمبيوتر الشهير جون مكارثي في تشكيل تعريف أو تصور مبدئي لفكرتها في الستينيات من العام الفائت حيث قال: «الحوسبة يمكن أن تُنظم ذات يوم بحيث تُعد مثل مؤسسة منفعة عامة» على غرار مؤسسات الخدمات (الماء والكهرباء)، وفكرته هذه تم البناء عليها وتطورت حتى وصلنا إلى الحوسبة السحابية التي بين أيدينا اليوم.

وكان لشركة أمازون دور كبير في تشكيل خدمات الحوسبة السحابية التي نتعامل معها اليوم حين أطلقت في العام 2006 خوادم الويب الخاصة بأمازون (Amazon Web Services). وفي 2007 ظهرت تطبيقات غوغل السحابية عبر بريد غوغل وتقويمه ومستنداته وبقية حزمة التطبيقات. وفي العام 2008 ظهر برنامج نيبولا (OpenNebula) الذي كان أول برنامج مجاني يسمح للشركات الراغبة بتقديم خدمات السحب الخاصة والهجينة عبر الحوسبة السحابية، وكان له أثر كبير في مسيرة وتطور خدمات السحب الإلكترونية.

وأعلنت شركة آبل في 2011 عن سحابتها الخاصة آي كلاود (iCloud)، والتي استبدلت بها برنامجها القديم للمزامنة بين أجهزتها والمعروف بموبايل مي (MobileMe). وبعدها قيام شركة مايكروسوفت بإطلاق خدمة أوفيس 365 (Office 365) والتي تقدّم من خلالها برامجها المكتبية الشهيرة أيضاً عبر سحابتها. وبذلك تشتعل المنافسة في مجال الحوسبة السحابية بين العمالقة الأربعة الكبار: أمازون وغوغل ومايكروسوفت وآبل، التي ستكون في صالح المستخدم النهائي.

سمات الحوسبة السحابية
بشكل عام هناك خطوط عريضة تجمع عليها المصادر المعتبرة التي تجعل خدمة ما تصنف على أنها حوسبة سحابية. فمن أبرز هذه الشروط أن تكون خدمة تقدَّم عن بُعد من قبل طرف ثالث وأن يتم الاتصال بهذه الخدمة بشكل رئيس عبر الإنترنت، وأن تعتمد هذه الخدمة على المشاركة في المصادر والموارد المختلفة (نظام التشغيل، مخازن البيانات والخوادم، منصات البرامج) بين المستخدمين.

أيضاً ألاَّ تحتاج إلى مهارات تقنية من قبل المستخدم لمعالجة الجوانب التقنية (الأمن، النسخ الاحتياطي، التحديثات، إصلاح الخلل والأخطاء) أو تحتاج إلى حد أدنى من ذلك. وأن يتمكن العميل من طلب هذه الخدمة بشكل مباشر عبر الإنترنت ويحصل عليها بشكل فوري أو شبه فوري، وتكون قابلة للتمدد والإنكماش بسرعة وسهولة (rapid elasticity) بحسب حاجته مثل زيادة المساحة التخزينية أو تقليصها، أو إضافة مستخدمين جدد أو حذفهم، كما من المهم في حالة لم تكن الخدمة مجانية أن يكون لها نظام تسعير واضح يفرق بين أنواعها ومزاياها المختلفة.

ولعله من المفيد هنا لفهم خصائص الحوسبة السحابية أن نلقي شيئاً من الضوء على ما لا يدخل في نطاقها. فمثلاً استئجار خادم بعينه من مركز بيانات لأداء مهمة محددة مثل استضافة موقع إنترنت، حتى لو كانت عملية الإيجار تتم عبر اشتراك مدفوع بشكل شهري أو سنوي،
لا يعد من خدمات هذا النوع من الحوسبة. وكذلك لا يصنف اتصال الموظف بجهازه المنزلي أو المكتبي عبر تطبيقات الاتصال عن بعد VPN كحوسبة سحابية.

أنواع الحوسبة السحابية بحسب المميزات التي تقدِّمها
هناك ثلاثة نماذج رئيسة يمكن أن تصنف خدمات الحوسبة السحابية من خلالها:
النموذج الأول: البرمجيات كخدمة ويرمز لها بـ SaaS Softwar as a Service حيث يتم تقديم حزمة من البرامج التي يمكن الوصول لها عبر الويب ومن أمثلتها تطبيق خدمة إدارة علاقات العملاء CRM.
والنموذج الثاني: منصة البرمجيات كخدمة ويرمز لها بـ PaaS Platform as a Service وهي تقدِّم للمستخدم بيئة تطوير متكاملة تمكنه من تشغيل أو تصميم وإنشاء واختبار ونشر تطبيقات الإنترنت الخاصة به بسهولة أكبر ومميزات أفضل مما لو قام بإنشائها في بيئته البرمجية المحلية، ومن الأمثلة عليها خدمة CloudSwitch Enterprise.
أما النموذج الثالث: البنية التحتية كخدمة ويرمز لها بـ IaaS Infrastructure as a Service إذ تقوم بإدارة الوصول عبر الإنترنت إلى أساسيات المصادر والموارد الحاسوبية مثل المعالجات السريعة، ومساحات التخزين والشبكات والخوادم والاستفادة منها حسبما يحتاجه العميل، ومن الأمثلة عليها The Joyent Cloud.

كيف تعمل السحب الإلكترونية؟
السحابة الإلكترونية تشريحياً هي تجمع افتراضي لمجموعة من الخوادم ومساحات التخزين ونظم التشغيل ومنصات البرمجيات والتطبيقات المختلفة، بغض النظر عن موقعها الجغرافي، فلا يشترط أن تكون موجودة في مكان فيزيائي واحد لدى مقدِّم الخدمة نفسه، والتي تعمل بتناغم وانسجام مع بعضها لتقديم خدمة ما للمستخدم الذي يتصل بها عبر الإنترنت من خلال متصفح الويب أو برامج البريد الإلكتروني والتطبيقات المختلفة عبر هاتفه المحمول أو حاسوبه الشخصي، وذلك بإدخال بيانات حسابه التعريفية (اسم المستخدم وكلمة السر). وحين تفتح له السحابة أبوابها بعد التأكد من بياناته، فإنه سيقوم باستخدام التطبيقات التي تقدِّمها السحابة كما لو كانت هي جهازه الشخصي أو شبكة الشركة التي يعمل بها، وكأننا نعود بذلك لعصر بدايات الحواسيب، حيث هناك حاسوب رئيس (MainFrame) تُجرى عليه كافة العمليات وحواسيب أخرى ثانوية (Terminals) تستخدم للاتصال بالجهاز الرئيس عبر إدخال البيانات الرئيسة إليه من قبل المستخدم أو عرض نتائج معالجتها له عبر الشاشة. الفرق الأساسي أننا في حالة الحوسبة السحابية فإن هذا الجهاز الأساسي وما يرتبط به هو خفي وغير ظاهر وليس مطلوباً منا أن نعرف أي شيء عنه. وعندما ينتهي المستخدم من أداء مهامه، فإن كل ما عليه هو تسجيل الخروج من التطبيق/ الموقع/ السحابة، وستكون كل تعاملاته وبياناته قد حفظت فيها بحيث تكون جاهزة للاستخدام حين يطلبها من جديد بغض النظر عن الجهاز الذي سيطلبها منه في المرة القادمة.

كما يمكن للمستخدم أن يعمل على جهازه الشخصي كما هو المعتاد ثم يقوم لاحقاً بتحميل ملفاته من جهازه إلى سحابته الشخصية التي توفر له خدمة تخزين مجانية أو مدفوعة مثل خدمة دروب بوكس (Dropbox) والتي تتيح للمستخدم مساحة تخزينية مجانية محددة تبلغ 2جيجابايت، وتتيح للمستخدم أيضاً أن يشارك ملفاته مع مستخدمين آخرين يحددهم.

مزاياها للشركات وأصحاب المبادرات التجارية
يمكن تقسم منافعها لاسيما إذا ما كنا نتحدث عن الشركات المتوسطة والصغيرة، إلى أربعة أقسام رئيسة: مالية، وتقنية، وتشغيلية، وبيئية. فمادياً، يجادل الكثيرون بأنها تساعد بالفعل على توفير الكثير من التكاليف المالية إذ يدفع المستفيد من هذه الخدمة ثمن ما يستخدمه فقط، وبالتالي لا يوجد هدر مادي ناتج مثلاً عن شراء مساحات تخزينية تفوق الحاجة، وكذلك فإن نفقاتها تُعد نفقات تشغيلية غير مستوجبة للضرائب، بالإضافة إلى أن الشركات لن تحتاج لجيش من الموظفين المسؤولين عن إدارة وتشغيل أنظمتها الإلكترونية لأن كل ذلك جزء متضمن في خدمة السحابة الإلكترونية.

أما المنافع التقنية فأهمها هي هذه القدرة على التمدد والانكماش بحسب الحاجة، كما تجعل الشركة قادرة على التركيز على منتجها أو خدمتها دون الحاجة للقلق بشأن الأمور التشغيلية. كذلك ضمان أن يكون النظام المستخدم في مأمن من سلبيات التطورات التقنية المستقبلية. ففي الماضي أنفقت الشركات أموالاً طائلة على برمجة وإنشاء نظمها الإلكترونية الخاصة لكن سرعان ما تطور العالم الرقمي وأصبحت الكثير من هذه الأنظمة الكبيرة الحجم والمعقدة (legacy systems) والتي تحتوي على كم هائل من البيانات مما يصعب عملية التخلص منها منتهية الصلاحية، وعانى موظفو أقسام تقنية المعلومات في محاولة تأهليها لتصبح مناسبة للزمن الحالي وللمستقبل أيضاً. مع الحوسبة السحابية يُفترض أن تتولى الشركة المقدمة للخدمة تحديث أنظمتها باستمرار، بحيث لا يصبح هذا شيئاً يذكر بالنسبة للمستخدم الذي سيحصل دائماً على آخر التحديثات فيما يتعلق بالبيئات البرمجية ونظم التشغيل والبرامج والمعدات.

أما لو انتقلنا للمنافع التشغيلية، فالحوسبة السحابية تجعلك قادراً على تفويض المهام والمشكلات لغيرك في كل ما له علاقة بنظم المعلومات تقريباً. ومنها شراء وتنصيب ودعم وتحديث البرامج المكتبية، وصيانة البرمجيات والمعدات والتأكد من عملها جميعاً بالشكل المطلوب، والقيام بالنسخ الاحتياطي، وتوفير الأمن المعلوماتي وكل ما يدخل في حكم ذلك.

ونختم الحديث عن المنافع بذكر الفوائد البيئية للحوسبة السحابية فهناك ابتداء تشارك المستخدمين في المصادر التقنية  وبالتالي توفير الطاقة الناتجة عما لو قامت كل شركة بتشغيلها أجهزتها ومعاداتها الخاصة، وأن هذه الأجهزة نفسها ستعمل بفعالية أكبر وهدر أقل. وكذلك فإن شركات الحوسبة السحابية التي تقدِّم هذه الخدمات فهي غالباً ما تستخدم أجود وأحدث الأجهزة المتاحة وهذه الأجهزة كثيراً ما تكون أفضل لجهة استخدام الطاقة. والحوسبة السحابية تدفع باتجاه مبادرات التقنية الخضراء (GreenIT) حيث لا يصبح الموظف ملزماً بالسفر بالطائرة أو السيارة إلى مقر العمل أو مكان الاجتماع للوصول إلى البيانات واستخدام أنظمة الشركة الإلكترونية، وبالتالي توفير الوقود وتقليل بصمته الكربونية. ففي عالم متغير مثل عالم اليوم فإن الحوسبة السحابية توفر المرونة اللازمة لمجاراته.

اللاعبون الكبار
بات مجال الحوسبة السحابية أرض المعركة الجديدة التي تتنافس عليها الشركات الرقمية العملاقة نفسها وعلى رأسها غوغل ومايكروسوفت وآبل وأمازون في الوقت الراهن وفيما يلي وصف مختصر عن الخدمات السحابية التي تقدِّمها كل واحدة منها.

غوغلgoogle-apps-cloud
تتمتع الشركة بنصيب الأسد في هذا العالم، حيث إن ملايين المستخدمين العاديين، ناهيك عن الشركات ، يستخدمون خدماتها السحابية كل يوم عبر تطبيقات البريد الإلكتروني والتقويم والملفات. وخلال 2012 استبدلت غوغل تطبيق مستندات غوغل (GoogleDocs) بخدمة غوغل درايف (GoogleDrive)، وهي تقدِّم خدمة مماثلة لخدمة دروب بوكس المذكورة سابقاً بمساحة تخزينية مضاعفة تبلغ 5جيجابايت، كما أنها دمجت خدمات مستندات غوغل فأصبح من الممكن إنشاء مستندات نصية أو جداول بيانات أو عروض تقديمية أو نماذج أو مجلدات أو ملفات رسومية أو ملفات برمجة من داخل التطبيق نفسه. هذا بالإضافة على ارتباطها عبر الحساب نفسه مع خدمات غوغل الأخرى ( البريد، والتقويم، والخرائط، والصور وغيرها) مما يعطيها ميزة تفاضلية يصعب منافستها عليها. وتقدِّم غوغل حلولاً سحابية مطورة خاصة بالشركات عبر ما يعرف بتطبيقات غوغل (GoogleApps) نظير رسوم رمزية بعد شهر من الاستخدام المجاني كتجربة. ويتوقع أن تقود شركة غوغل الحوسبة السحابية للمستخدمين العاديين في المستقبل المنظور.

آبل
منذ إعلان الشركة في 2011 عن إطلاقها لسحابتها الخاصة والمعروفة ب(iCloud) والتي تهدف لتجميع ومزامنة ومشاركة البيانات عبر أجهزة الآيفون والآيباد وحواسيب الماك وكذلك الحواسيب التي تستخدم نظام تشغيل وندوز وهذه الخدمة تلقى الترحيب والإعجاب بكونها من أهم الحلول السحابية المتاحة للمستخدم العادي. وتقدَّم هذه الخدمة مساحة مجانية أيضاً بمقدار 5 جيجابايت. وتظل مشكلتها الأساسية هي أنه لابد من تنزيل وتنصيب برامج آبل من أجل الاستفادة على هذه الخدمة من قبل الأجهزة الأخرى مما يجعلها أقل مرونة من الخدمات المنافسة.

مايكروسوفت
Skydriveمازالت شركة مايكروسوفت تضع بيئة الأعمال والشركات كأولوية على أجندتها عن طريق ترويجها وتطويرها لتطبيقات حزمة الأوفيس السحابية التي تقدَّم ذكرها (Office 365)، وكذلك عبر خدمة سكاي درايف (SkyDrive) التي تمنح مساحة مجانية سخية بحجم 7 جيجابايت تتيح حفظ ومشاركة الملفات وكذلك إنشاء ملفات ومستندات من حزمة الأوفيس والموجهة أيضاً للأفراد كما الشركات. وتركز الشركة على مشاركة الملفات بين المستخدمين من خلال هذه الخدمة وتضع جهوداً كبيرة وتكاليف مرتفعة على التسويق لها مما سيؤدي غالباً إلى أن تتبوأ مايكروسوفت وخدماتها الجديدة موقعاً مميزاً في عالم الحوسبة السحابية.

أمازون
يعتقد كثير من المختصين المتابعين لسوق الحوسبة السحابية بأن أكبر منافس لشركة غوغل في هذا المجال بالنسبة للمستخدمين العاديين هي شركة أمازون، والتي أنتجت وباعت القارئ الإلكتروني المطوَّر كندل فاير (KindleFire)  وتعمل من أجل الدفع باتجاه تخزين عديد من الكتب الإلكترونية والملفات الأخرى بما فيها ملفات الموسيقى المبتاعة من خلاله من متجر أمازون الإلكتروني نفسه من خلال هذه السحابة (Cloud Drive) التي توفرها مجاناً بسعة 5 جيجابايت كذلك، وكذلك طرحهاً لحلول سحابية تنافسية فيما يتعلق بالشركات. ويبدو أن الحوسبة السحابية هي مستقبل عديد من الخدمات التي تقدِّمها أمازون لمستخدميها ولديها طموح كبير لتحقيق ذلك.

المخاوف من الحوسبة السحابية: هل هي فعلاً آمنة؟cloud_security_password_610
لعل أكثر ما يجعل الأفراد كما الشركات يترددون عندما يتعلق الأمر باستخدام الحوسبة السحابية هو موضوع أمن وحماية البيانات. فعلى الرغم من أنه قد تكون هذه السحب أكثر تحصيناً من الجهاز الشخصي، إلا أن أية احتمالية ضئيلة لضياع هذه البيانات كفيلة بإثارة المخاوف لإحساس الشخص بأن ممتلكاته الخاصة ليست تحت حمايته الشخصية، فيتكرر السؤال: هل السحب الإلكترونية آمنة؟ لاسيما والمرء لا يحتاج لاختراقها، والعبث بالبيانات الموجودة فيها سوى لاسم المستخدم، وهو في العادة البريد الإلكتروني المتاح لكافة الناس، وكلمة السر!

مات هونان صحافي تقني تعرَّض لتجربة مؤلمة في 2012 حين تم اختراق حسابه في سحابة آبل، وبسرعة البرق قام المخترق بمسح كافة بياناته على كافة أجهزة آبل الخاصة به: الآيفون والآيباد والماك، والتي لم يكن قد قام بعمل نسخ احتياطي خارجي لها، فإذا كان المرء يحفظ بياناته على السحابة خوفاً من عطل يصيب أجهزته أو سرقة لها، فماذا يحصل حينما تكون السحابة هي المصابة؟

ويرى البعض أن هذه القصة تبين مدى سهولة اختراق سحابة آبل حيث لا تحتاج سوى اسم المستخدم وكلمة السر في حين يبدو الوضع مختلفاً لدى غوغل الذي يتيح للمستخدم إضافة درجة ثانية من الحماية بالإضافة لكلمة السر، وذلك عن طريق إرسال رسالة تحمل رقماً سرياً إلى هاتفه المحمول بما يشبه الدخول لحسابات البنوك الإلكترونية.

وهناك مخاوف أخرى مثل الخوف من انقطاع الخدمة (Cloud Outage) لسبب متعمد مثل إجراء التحديثات اللازمة أو غير متعمد كخلل فني غير متوقع، والتجارب في هذا المجال تذكر بأن خدمات السحب الأقدم والأشهر مثل غوغل، وأمازون، ومايكروسوفت، وسيليز فورس قد تعرضت لاضطرابات في خدمتها ما بين العام (2008-2009) لفترات تتراوح ما بين ساعة وأسبوع. ويجادل أنصار الحوسبة السحابية أن الاحصاءات تشير إلى أن نسبة توافر الخدمات الإلكترونية لدى الشركات المعتمدة على أنظمتها الداخلية الخاصة هي %99.8 في حين أن استمرار الخدمة وتوافرها من قبل شركات خدمات الحوسبة السحابية المعروفة هي %99.9 أي أن السحب لا تزال متفوقه هنا بالإضافة إلى ميزاتها الأخرى وهي مسؤولة عن إصلاح نفسها وتحمل تكلفة ذلك.

وهناك خطر توقف الخدمة بشكل نهائي ففي فبراير من العام 2009 مثلاً وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية اضطرت شركة مثل كوغ هيد (Coghead) لإبلاغ عملائها بأن أمامهم 9 أسابيع فقط ليجدوا مساكن جديدة لبياناتهم وبرامجهم، حيث إن الشركة قررت أن توقف تقديم خدماتها.

وفيما يتعلق بالبيئة هناك من يعتقد بأن الحوسبة السحابية ليست في الضرورة حوسبة خضراء، إذ إنها تتسبب في المزيد من الضغط على شبكة الإنترنت، وزيادة عدد النسخ من البيانات نفسها على أكثر من سحابة بالإضافة إلى النسخ المحلية، وازدياد الطلب على التقنية نتيجة للتوسع في الخدمات الجديدة الناتجة عنCloud_computing_recycling المزايا المتاحة من قبل الحوسبة السحابية. وعلى رأس هؤلاء منظمة السلام الأخضر (Green Peace) والتي ترى بأن الحوسبة السحابية ستسهم في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، فالكهرباء الناتجة عن استخدام السحب ستزداد من 623 بليون كيلو وات في الساعة في 2007 إلى 1964 بليون كيلو وات في عام 2020. ويرد أنصار الحلول السحابية على هذه الآراء بالقول بأنه لا يمكن إعادة عجلة الزمن للوراء لكن ما يمكن القيام به هو جعل ما نستخدمه من تقنيات وعلى رأسها الإنترنت صديقة للبيئة بأقصى ما نستطيع.

مستقبلها
يتوقع الخبراء بأن حجم سوق الحوسبة السحابية سيرتفع من 35 بليوناً في العام 2011م إلى ما يقارب 150 بليوناً خلال الثماني سنوات القادمة كنتيجة حتمية لتبني حلول هذه التقنية في عالم المال والأعمال والتجارة.cloudcomp1

والحوسبة السحابية التي سنتعامل معها في 2020م ستكون مختلفة إلى حد ما عما هي عليه الآن. فسيزداد استقلال البرمجيات عن بيئة الأجهزة والمعدات بحيث تبرمج على أن تكون صالحة للعمل على أي جهاز بغض النظر عن الشركة المصنعة، وستتحول هذه البرمجيات نفسها إلى مجموعة من الخدمات والمستقلة المرتبطة مع بعضها بتقنيات خاصة لأداء المهام المطلوبة، مما سيجعل الحوسبة الرقمية تبدو بشكل عام وكأنها غير مرئية كما يقول جون مانلي من شركة HP. ومن أجل ذلك فإن البرمجيات ستكتب على هيئة وحدات (modules) قادرة على العمل بشكل حر ومستقل عن بقية البرنامج الذي كُتبت كجزء منه ابتداء ، وحيث ستتفاعل السحب المختلفة وتتكامل مع بعضها البعض. ويتوقع أن يسهم ذلك كله في انخفاض سعر الأجهزة والبرمجيات والسحب الإلكترونية تبعاً لذلك مع زيادة هائلة في السرعة وإنجاز المهام. وسيتم تقسيم السحب إلى خدمات مختلفة تصنف وفقاً لإمكانياتها ومزاياها إلى درجات متباينة في الجودة والأداء والقيمة.

للحوسبة السحابية ميزات وعيوب كما عرفنا من خلال هذا المقال، إلا أنه من الواضح بأن المزايا تتفوق على العيوب، وكل المؤشرات توحي بأن هذه الميزات ستكون من القوة بما يكفي لجعل عربتها تمضي قدماً، وفي الوقت نفسه الذي ستتكثف الأبحاث في عالم التقنية بحثاً عن حلول حقيقية للمخاوف المرتبطة بها لاسيما الأمنية منها.

المقال في مجلة القافلة


شؤون عائلية!

$
0
0

paper chain

مشهدان ترصدهما العين في مدينتين عربيتين أو في المدينة عينها، توضحان التناقض الصارخ الذي يسكن عقلية المجتمعات العربية تجاه المرأة وتجاه مؤسسة الزواج، حتى ونحن في العقد الثاني من الألفية الجديدة.

المشهد الأول، في مكان عام، رجل عربي ينهال بالضرب أو الإهانة الصارخة على زوجته التي تبدو مسلوبة الإرادة، وقد يكون الضرب عبارة عن صفعة تأديبية لاختلافهما على شراء سلعة ما، وقد يصل إلى درجة التعذيب الذي يمارس في السجون السياسية العربية، أو ما يقوم به كل من “الشبيحة” وأفراد من الجيش الحر في سورية الشقيقة – فرج الله عن أهلها – تجاه الآخر، من ركل وصفع وجر على الأرض، وسحب للشعر ودوس على الوجه بالأقدام! والناس تمر بجانبه ولا تجرؤ أن تتدخل، فالأمر في النهاية شأن عائلي خاص، لا ينبغي التدخل فيه، فكل رجل يسوس بيته بالطريقة التي تناسبه، وهذا الفكر هو عماد الأسرة العربية.

المشهد الثاني، في مكان عام أيضا، خاصة في الدول والمدن والقرى العربية الأكثر محافظة، يصل للرجل نبأ سار، فيبادر لاحتضان زوجته وشريكة حياته، أو يكونان معا في مطار يودعان بعضهما البعض قبل الفراق، فيضمها في رفق، وتربت على ظهره في حنان، في مشهد من أجمل مشاهد المودة والرحمة، ونحن لا نتحدث هنا عن مشاهد العشاق الحميمة في الأفلام الأميركية أو المسلسلات التركية، وإنما عناق وسلام المودة والرحمة، والذي لا يختلف كثيرا عن سلام أخت على أخيها، أو أب على ابنته، أو ابن مع أمه. ومع هذا يواجه هذان الزوجان النظرات الغاضبة، وعبارات الاستغفار، ويتطوع أحدهم ليذكرهم بأن للعرب عاداتهم، وأن هذه المشاهد لا تليق في الأماكن العامة، يستوي فيها إن كانت بالحلال أو الحرام! والغريب أن الرجل ذاته قد يصرح بأنه يقبل والدته في مكان عام قبل سفرها، لكنه لا يفعل ذلك مع زوجته، لأن هذا عيب وفيه خدش للحياء العام. وكأن الزوجة التي أنجبت الأطفال، وغسلت الثياب، وأعدت الطعام، وكانت وما زالت الحصن والسكن والوطن، لا تستحق الحب والرعاية والاهتمام والشوق مثل الأم.

المثير للاهتمام في هذين المشهدين هو أنه حين يتعلق الأمر بالإساءة للمرأة تترك المرأة تواجه مصيرها؛ لأن الأمر شأن عائلي، ولكن حين يحسن زوج لها، أو يعطيها حقها الطبيعي، أو يسمح لها بممارسة حريتها في العمل أو السفر أو الدراسة، يلام الزوج/الأب/الأخ، ويجد فجأة بأن أبسط قضية أسرية، والخاصة بهذه الأسرة وحدها، قد صارت قضية رأي عام، يدلي فيها الكل بدلوه، ويجد محرما بل محارم آخرين ينافسونه في الوصاية على أهل بيته!

وإذا انتقلنا من المنطقة العربية وهذه المشاهد المؤسفة، إلى مناطق من بلاد المسلمين أكثر قتامة وظلمة حيال المرأة، لا سيما في أفغانستان وأرياف باكستان وكردستان وتركيا، سنجد ممارسات أكثر بشاعة ضد النساء، عجزت كل الحكومات المتعاقبة في إيقافها، فحتى الدولة العلمانية التي غيرت لغة القوم ولباسهم وحاربت كل مظاهر دينهم، لم تنجح في القضاء على ممارسات فاسدة مثل زواج القاصرات أو جرائم الشرف في مناطقها القروية والريفية. وتحمل تقارير منظمات حقوق الإنسان عشرات القصص عن نساء مورس عليهن عنف وحشي بمباركة المجتمع وتغافل الحكومات. فهناك قصص النساء اللاتي سكب أزواجهن عليهن قناني مملوءة بماء النار فتشوهت وجوههن للأبد، وأخرى جدعوا أنفها لأنها هربت من بيت زوجها، وثالثة حكم عليها بالاغتصاب الجماعي انتقاما من نشوء علاقة حب بين أخيها وهو من أصل وضيع بعرفهم وبين فتاة من أصل رفيع. وكل هذه قصص موثقة بالصوت والصورة وليس فيها خيال أو تضخيم.

ومع أننا لا نبرئ ساحة المنظمات الدولية وهيئات حقوق الإنسان وغيرها من ممارسة بعضها للنفاق الفج، بين إدانتها لهذه الممارسات الشيطانية في البلاد العربية والإسلامية، وبين صمتها أو صوتها الخفيض لما يحصل في فلسطين المحتلة خاصة، أو في الدول الواقعة تحت الاحتلال الأميركي، إلا أن هذا لا يعني بأن جل ما يأتي في هذه التقارير غير صحيح، وأنه مجرد محاولة لتشويه صورة المجتمعات العربية المسلمة، فهذا رد طفولي وساذج يردده الكثير من أبناء هذه البلدان كما حكوماتها، وكأن الإنكار سيحل المعضلة. وكان الأولى أن يفتحوا تحقيقا فوريا في الأحداث المنسوبة علهم ينقذون به أرواحا بريئة. ولا أستطيع إلى الآن أن أفهم كيف نجحت دول عربية في تمرير سلامها مع إسرائيل، وتبرير إقامة علاقة كاملة معها لشعبها، ولم تنجح في تمرير تشريعات صارمة تمنع جرائم الشرف عبر برلماناتها المنتخبة!

يعارض الكثيرون الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق المرأة، مثل اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة، والمعروفة اختصارا باتفاقية “سيداو”، إذ يعتقدون بأن بعض بنودها تعارض الشريعة، بل وتهدد قيم الأسرة العربية والمسلمة، ويدبجون المقالات لذكر مساوئها. وبما أن الاتفاقية دولية، وموضوعة من قبل أشخاص لا ينتمون إلى حضاراتنا ولا ديننا، فلا أستغرب أن يكون معهم بعض الحق. لكن في المقابل ماذا قدمنا نحن للمرأة في بيئتنا الإسلامية لنضمن لها الحياة الكريمة؟ نعم جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام منصفة للرجال والنساء، لا شك في ذلك، ولكن كيف ترجمنا هذه الأحكام إلى قوانين حديثة مكتوبة وقابلة للتطبيق؟

قبل أن ننتقد “سيداو” وغيرها: أين الوثيقة الإسلامية الدولية لحماية المرأة من العنف ومحاربة التمييز غير الشرعي وغير الأخلاقي ضدها؟ أم أن القضية أيضا شأن عائلي؟

المقال في جريدة الوطن

أطفالنا و”تويتر”والعالم السفلي للتقنية

$
0
0

kids-addicted-to-technology-1899530801

ساعد انتشار الهواتف المحمولة الذكية على أن يصبح استخدام الإنترنت متاحا لشرائح واسعة من المجتمع، بشكل ما كان متحققا قبل ذلك. إلا أن الوجه الجميل الذي نعرفه للتقنية يخفي خلفه وجها آخر شديد القبح، يتضمن مواقع الجنس المحرم، والشذوذ، والتحرش بالأطفال، وترويج الممنوعات، وتسميم الأفكار، واستقطاب الشباب لمنظمات مشبوهة، وصناعة الإرهاب، وغيرها. وهذا الحال يشتكي منه العالم كله، وكنا حتى وقت قريب في منأى عن كثير من هذه السلبيات لكون الإنترنت في السعودية مراقبا من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية سابقا، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات حاليا، فيتم حجب جل هذه المواقع السيئة. وصحيح أن هناك من استطاع منذ البداية أن يزيل الحجب ويبحر في عالم الإباحية، لكنها تظل فئة قليلة، وتظل الشرائح الأهم، الأطفال والقصر، في منأى عن رؤية هذه الأمور التي لا تناسبهم لا سنا ولا دينا.
مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تويتر وفيسبوك ويوتيوب، لاسيما بتطبيقاتها على الهواتف المحمولة، تبرز لنا تحديات جديدة في هذا المجال، خاصة وأن الأجهزة اللوحية، والهواتف المحمولة باتت منتشرة لدى الأطفال بشكل غير مسبوق. فلم يعد غريبا أن تجد طفلا في الثالثة من العمر يلهو بجوال والدته، أو آخر في الخامسة كانت هدية والديه له جهاز آيباد! والأطفال يقضون أوقاتا طويلة مع هذه الأجهزة بمفردهم في أغلب الأوقات. والمشكلة أن هذه المواقع، والتي صممت أصلا للكبار، قد اختلط فيها الحابل بالنابل، ففي يوتيوب مثلا مقاطع رائعة مخصصة للأطفال، وفيه أيضا مقاطع يندى لها الجبين.

والأمر في تويتر أسوأ، لأنه قد لا يلفت انتباه الوالدين أبدا، فرغم الوقت الطويل الذي أمضيته على تويتر منذ عام 2007 إلا أنه ستمضي خمس سنوات قبل أن أشاهد الوجه الآخر له! فعن طريق خطأ في كلمة البحث ظهرت لي نتائج لم أكن أتوقعها، وحين تصفحت أحدها جرني إلى حساب آخر مشابه، وهكذا وجدت نفسي فجأة في ما يشبه – عذرا – دار دعارة “إلكترونية” متكاملة! لا أستطيع حتى أن أصف بشاعة الكلمات والصور الموجودة، والتي تمثل أدنى درجات الانحطاط الإنساني، والأسوأ أن هؤلاء المرضى يمارسون فسوقهم ويروجون له من داخل مجتمعاتنا، وباللغة العربية.

وإذا كانت الإباحية تمثل الوجه البشع لتويتر، فإن هناك أيضا الجانب العقدي. لا أتحدث عن الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، ولا عن المناظرات بين المسلمين والمسيحيين، وإنما أتكلم عن الكفر البواح، والإلحاد الصريح، والسخرية المتعمدة من كل مقدس. ندرك وجود الكفريات والإلحاد في العالم، وهناك كتب وأفلام مسيئة منذ الأزل، لكن أن يكون الأمر مفتوحا ومتاحا على هذا النحو، وبلغتنا، بحيث أن أي طفل يستطيع القراءة يمكن أن يطلع على هذه الكتابات السيئة، لهو أمر مثير للقلق، خاصة وأن هؤلاء “المسلمين المرتدين” يستهدفون التشكيك في الغيبيات، التي نؤمن ونصدق بها قطعيا، لكن ليس سهلا أن تثبت وجودها لشخص غير مؤمن، أو تشرحها لطفل يطالبك بالدليل على صحتها وعقله يعجز عن استيعاب حتى المفردات التي تريد استخدامها معه.

هناك من يقترح أن تتم مخاطبة إدارة تويتر بشأن حجب هذه الحسابات، وأتمنى لو كان ذلك ممكنا، لكنني أتصور بأننا سندخل هنا في قضية ثقافية وقانونية، فتويتر في النهاية منتج أميركي، وفي أميركا لا ترى القوانين بأسا من وجود حسابات تروج مثلا للعلاقات المثلية بين الراشدين، في حين أن الإدارة حجبت بالفعل، بحسب ما ذكرته بعض المواقع التقنية في المملكة المتحدة، حسابات أنشئت في بريطانيا للترويج للجنس مع الأطفال، لأن القانون الأميركي يمنع مثل هذه الممارسات ويجرمها، وهكذا فإن في اتفاقية استخدام تويتر عبارة واضحة ترجمتها ما يلي: “لن نسمح أو نتساهل مع الاستغلال الجنسي للأطفال على تويتر”، يليه توضيح للقانون الأميركي بهذا الخصوص. ومع ذلك فقد وجدت مواقع مقالات أجنبية تتحدث عن عدم رضاها بدرجة التزام إدارة تويتر بهذا الخصوص، وأنه ما زال مليئا بحسابات تستخدم لغة غير مريحة وتضع روابط لفيديوهات فيها استغلال جنسي للأطفال. وقد ذكرت صحيفة “يو إس إيه توداي” الأميركية بأن بعض المتحرشين بالأطفال باتوا يستخدمون الشبكات الاجتماعية تحديدا للإيقاع بالأطفال.

هل هذه دعوة إذاً للتضييق على الحريات وحجب مواقع التواصل الاجتماعي داخل المملكة؟

بالطبع لا، وكم أتمنى لو كانت هناك طريقة تسمح بحجب الحسابات السيئة كما هو الحال مع المواقع الإباحية وغيرها ضمن نطاق جغرافي محدد، لكن يبدو ذلك متعذر تقنيا إلى حد كبير حتى الآن . في هذه الحالة لا يبقى أمام الوالدين إلا أن يعملوا على توعية أطفالهم أولا، وبطريقة لا تحفز على الفضول، لكن توضح لهم ما يجوز وما لا يجوز، وأيضا أن يراقبوهم بأنفسهم، فلا يسمحون لطفل صغير بالفعل بإنشاء حساب في تويتر، وموقع الفيسبوك على سبيل المثال يشترط عمر الثالثة عشرة كحد أدنى، وإن حصل ذلك كما هي الحال مع المراهقين، فلا بد من أن يتواجد الوالدان عليه أيضا، وبالتالي يراقبون نوعية المتابعين لأبنائهم، والمتابعين من قبل أولادهم، وأن تتم مناقشتهم باستمرار في نشاطاتهم الشبكية سواء ما يقرؤونه أو ما يكتبونه. ويجب أن يطلب من الطفل استخدام التقنية أمام الجميع وليس في غرفة نومه، مع الرفض التام لوجود كلمات سر للأجهزة والإلكترونيات. ويمكن معرفة عما يبحث الطفل أو المراهق مثلا عبر مراجعة تاريخ البحث في المتصفحات، وفي تطبيق تويتر نفسه. كما توفر معظم الأجهزة المحولة مساعدة بسيطة في هذا المجال عن طريق الإعدادات التي تسمح بالقيود والتحكم بالخصوصية، هذا إذا لم يكن الولد ذكيا بما يكفي لمسح آثاره، وهنا يبرز تحد آخر، فجل الأطفال هم أفضل في استخدام التقنية من أهاليهم!

الأطفال أمانة في أيدي أهاليهم، ما داموا يعيشون في كنفهم، ويقعون تحت السلطة المباشرة لهم، ماديا ومعنويا، وتركهم يبحرون في الشبكة العنكبوتية بلا حسيب أو رقيب هو تضييع للأمانة وإساءة للمجتمع.

المقال في جريدة الوطن

احتراف “اللصمقة”إلى متى؟

$
0
0

اللصمقة..كلمة عامية من اللهجة الحجازية، وتعني إتمام الشيء بسرعة وقلة اهتمام وبالتالي غياب الإتقان والجودة، وتختزن الذاكرة الشعبية موروثاً من الأمثال التي تدور حول المعنى نفسه مثل “طبطب وليّس..يطلع كويس”، وفي كلها إشارة إلى “ضرب العمل على قلبه” والانتهاء منه بأسرع ما يمكن للتخلص من المسؤولية، بغض النظر عن المخرج النهائي. الغريب أننا في أمورنا الشخصية مثل مناسباتنا، وبيوتنا، وملابسنا، نحرص على أن يكون كل شيء كأفضل ما يكون. بالمقابل، حينما يتعلق الأمر بأداء واجباتنا، ووظائفنا، وأعمالنا، وخدماتنا، الحكومية والتجارية، يبدو كما لو أننا ننتقل إلى النقيض في لمح البصر، وكأننا احترفنا أو أتقنا عدم الإتقان!

فلماذا يصبح مقبولاً أن يتعامل موظف الجوازات مع القادمين بملل؟ لماذا نقبل أن تكون مطاراتنا على حالة من الفوضى لا تليق بدولة نفطية ناهضة؟ لماذا تدهور مستوى خطوطنا الجوية، وهي احدة من أعرق الخطوط الجوية في المنطقة، بعد أن كانت يوماً من أفضل الخطوط العالمية؟ لماذا شوارع الكثير من مدننا بائسة رغم الامكانيات الهائلة والمبالغ الضخمة التي تضخها الدولة؟ ولماذا يصبح من الطبيعي أن يقود الناس في شوارعنا بهذه الطريقة الهمجية المميتة بينما هؤلاء أنفسنا يلتزمون بكل قواعد السير حالما يغادرون أرض الوطن؟ لماذا استمرأنا مخالفة القانون؟

لماذا حين تزور فندقاً من فئة الخمسة نجوم، يأتيك إحساس بأنه لا يستحق نصف هذه النجوم إذا ما قارنته ليس بفنادق أوربا وأمريكا وإنما بفنادق الدول الخليجية المجاورة؟ ولماذا حين تتقدم بشكوى لسوء تعامل في مستشفى خاص أو مصرف بنكي ينظر إليك الجميع على أنك شخص “مشكلجي”؟! بدل من شكرك لأنك اتبعت الخطوات المناسبة لإيصال رأيك للمسؤولين.

لماذا نقبل بأن تتجمع في الأراضي البيضاء بقايا مواد البناء، والأثاث القديم، وأشجار النخيل الميته، وبعض الإطارات التالفة؟ ألا يؤذينا تشويه المنظر العام للبلد؟ ألا يؤذي القبح أعيننا ويغمرنا بالكآبة مع مطلع يوم جديد فنذهب لأعمالنا بنفسية لا تساعد على الإنجاز؟

كيف نرضى أن تستمر بعض معاملاتنا في الدوائر الحكومية أو في المحاكم القضائية شهوراً طويلة بل سنوات تتعطل فيها مصالح العباد..مصالحنا نحن أهل هذه البلاد والمقيمون فيها؟ لماذا يبدو أحياناً هذا الوطن الرائع والطافح بالخيرات والطاقات، وكأنه سلحفاة معمرة ضخمة تمشي ببطء لا يعنيها أن يسبقها العالم؟!

وحتى على الصعيد الاجتماعي، لماذا تتأخر كل هذه القرارات المصيرية كل هذا الوقت لإقرارها، ومنها فتح مجالات جديدة لعمل المرأة، وحل مشكلتها مع المواصلات، واقتطاع النفقة من راتب الأب أو الزوج، ووضع قانون للأحوال الشخصية مستمد من شريعتنا الغراء، يوقف عبث الجاهلية، من حجر على البنات، أو تزويجهن قسراً، أو تزويجهن دون علمهن وهن قاصرات، أو قضايا الحضانة، فهي أمور نعرف بأنها ستقر في نهاية المطاف، هكذا يقول العقل والمنطق وحتى الحراك المحلي والوضع الإقليمي والدولي، فلسنا بدعاً عن جوارنا الذي يشابهنا في الدين والعادات والتقاليد من صنعاء وحتى الكويت، ومع ذلك فقد تجاوزوا الكثير من الأمور التي لا نزال “نلت ونعجن” فيها منذ قرن! فلم لا يكون الإقرار عاجلاً إذاً؟

لماذا يغيب الترفيه البريء؟ لم يضطر المواطن السعودي أن يعبر الحدود كل أسبوع ليشاهد فيلماً سينمائياً في صالة عرض مع عائلته؟ لماذا تمتلئ بلادنا بكل هذه الجمال وفيها كل هذه الامكانيات المادية والبشرية ومع ذلك يغادرها أهلها بالملايين في أصغر إجازة وأكبرها لغياب المشاريع الترفيهية التي تتواجد عند الجيران؟ كيف لم ننجح في جعل الطائف أو أبها أو الباحة مصايف عالمية تجذب المواطنين والخليجيين الهاربين من حرارة الصيف القائظ في معظم فصول السنة؟ كيف لم تصبح جدة – عروس البحر الأحمر- مركزاً من مراكز الغوص العالمية للتمتع بمشاهدة ثروات البحر الأحمر المرجانية الجميلة، في حين نجحت في ذلك المنتجعات المصرية على الضفة الأخرى مع الفارق في الامكانيات؟ ليس شرطاً أن تُبنى السياحة على المحرمات من العري والخمر والقمار وغيرها، إذ نستطيع أن نبتكر لوننا الخاص من السياحة المحتشمة. بل كيف فرطنا في آثارنا الإسلامية التي كان يمكن أن تجعل من سياحتنا مصدراً للدعوة مع الكسب المباح حين نحيي في نفوس الناس تاريخ دينهم ونذكرهم بما فقدوه من حضارة أمتهم؟

كان لهذه البلاد شرف الريادة في كل شيء تقريباً في الجزيرة العربية، ولازلنا مولعين بالاحتفاء بهذه الأولية وبكل أسماء التفضيل الأخرى: أكبر، أضخم، أجمل، أشمل، ولكن هل الأولية أهم من الاستمرارية؟ جميل أن تحوز قصب السبق في مجال ما، لكن التحدي الحقيقي هو أن تحافظ على هذه الريادة، بل وتذهب بها إلى مدى أبعد.

هل لا توجد إيجابيات وإنجازات نفخر بها؟ بالطبع هناك الكثير جداً، لكنني حين أرتدي نظارة الإتقان التي تجعل المعايير التي أحكم بها وأرضاها لوطني عالية جداً، فستزعجني حتى خربشات المراهقين على الأسوار، وسأطالب بالتصدي لها.

سيحل اليوم الوطني بعد أربعة أشهر تقريباً، وسيخرج الآلاف للشوارع لينشروا الفوضى بدعوى الوطنية، وستمتلئ الصحف بعشرات المقالات التي تتغنى بحب الوطن، وسيأتي كبار التجار لينشروا التبريكات للقيادة الرشيدة على صفحات الجرائد، وستعرض التلفزيونات البرامج التي تتحدث عن نهضة المملكة، فيما ستنشغل الإذاعات ببث الأغاني الوطنية والتبريكات الشعبية، وكل هذا جميل (باستثناء الفوضى في الشوارع طبعاً)، لكن ما الذي يضيفه – للأمانة- للوطن؟ كيف يخدمه ويدفع باتجاه رفعته؟

إن كنت وطنياً حقاً فلا تقبل منذ اليوم إلا الافضل لوطنك، لا تقبل من نفسك سواء كنت طالباً أو موظفاً أو مسؤولاً إلا أن تقدم الأفضل والأكمل والأجمل، لا تقبل أنصاف الحلول، ولا تقتنع بالأعذار، اجعل هدفك الإتقان المطلق على مستواك الفردي وعلى مستوى من تؤثر فيهم، فباحتراف الإتقان يبدع وطنك، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي وإنما الدولي، أما “اللصمقة” فمع كل خطوة للأمام، تعيده خطوتين للخلف، أفلم تشتاقوا لأن تكونوا ووطنكم في المقدمة؟

صناعة النجم أم تدميره؟

$
0
0

reaching for the skies

نعيش في منطقة تكثر فيها النسخ المتكررة من البشر، حيث الإبداع عملة نادرة، فما إن يبرز لدينا شخص مختلف، متفوق أو مبدع في أي مجال، حتى نسلط عليه الأضواء الكاشفة، فتهرع كافة وسائل الإعلام للاحتفاء به، وكأنه مخلوق فضائي هبط علينا! ولأن الكثير من الضوء يعمي، فهذا قد يفسر لماذا يحترق المتميزون والمبدعون سريعاً في عالمنا العربي مقارنة بمناطق أخرى في العالم. فقد اعتدنا الحديث عن دور الإهمال في القضاء على المواهب في المجتمع وتضييعها، لكن ماذا عن الاهتمام الذي يصنف على أنه “أكثر مما ينبغي”؟ خاصة لصغار السن من الشباب، الذين لم تصقلهم التجارب بعد، ولم تعلمهم كيف يستثمرون نجاحاتهم بشكل صحيح ليطيلوا عمر شموعهم، وممن لم يجدوا مرشدين أو معلمين يبصرونهم بتلك الحقيقة.

حين تصفحت العدد الأخير من مجلة “فوربس” في نسختها العربية، وجدت قائمة بالأشخاص الأكثر ثراء في المنطقة العربية، ولاحظت أن الوجوه المعروفة من بين هؤلاء للعامة قليلة جداً، ومعظمها عُرف بحكم مكانة العائلة، أو الاشتغال بالسياسة، وليس من خلال أعمالهم، فيما النسبة العظمى إما لم نسمع بأسمائهم قط، أو نعرفهم فقط بالاسم فقط. فهل ليس لدى هؤلاء الناجحين مادياً ما يقولونه في برامج تلفزيونية؟ أو ما يعملونه في دورات تدريبية؟ أو ما ينظرون به في وسائل الإعلام الاجتماعية؟ بالطبع لا، فلدى جلهم خبرة تراكمية لا تقدر بثمن، لكنهم مشغولون بتحقيق النجاح، وليس لديهم فائض من وقت ليقضوه في الاستعراض، فكل دقيقة من وقتهم تساوي الملايين.

بالمقابل لو نظرنا إلى شباب تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والخامسة والثلاثين تقريباً، وقد تصل إلى الأربعين في أقصى تقدير، وكانوا حتى الأمس القريب مجهولين تماماً، ثم قام أحدهم بتسجيل هدف، أو تأليف رواية، أو كتابة قصة، أو نشر بحث علمي متميز، أو الحصول على جائزة مرموقة أو حتى مدفوعة الثمن، أو القيام بعرض كوميدي، أو تقديم برنامج إذاعي أو تلفزيوني خفيف، أو المشاركة في واحد من برامج المواهب الغنائية، أو إلقاء محاضرة عن الإعلام الاجتماعي، حتى نفاجأ بأن الإعلام بكل أنواعه صار موجهاً عليه، نافخاً له، فتراه على شاشات كل الفضائيات، وتقرأ مقابلاته في كافة الصحف والمجلات المطبوعة والإلكترونية، وتجده يدعى للحديث في المحافل الوطنية والعربية.. باختصار يصبح نجماً بشكل فجائي وسريع وغير متوقع لأحد، وأولهم هذا الشخص نفسه!

وفي غياب النقد الموضوعي، والنصيحة الصادقة، يصاب نجمنا بداء النرجسية. ومع أن التاريخ يحفظ لنا أسماء كثيرة لمبدعين مغرورين، إلا أنه برأيي فأولئك أصيبوا بالغرور بعدما نجحوا في الوصول إلى القمة بعد سعي طويل ودؤوب، بعد أن نضج إبداعهم، ونضجوا هم كأفراد، فصاروا يدركون قيمتهم الحقيقية، ولهذا استطاعت النرجسية، في حالات محددة، التعايش مع التفوق والإبداع. إلا أنه في حالة نجومنا الذين انتقلوا من الدور الأرضي إلى الثلاثين بمصعد يعمل بسرعة الضوء، ولم يستخدموا السلالم أبداً، فهي تصيب إبداعهم في مقتل، تحرق الكعكة، وتطفأ الشمعة! لأن التركيز لم يعد على العمل نفسه وتطويره وتطوير أنفسهم، بل تحول في أحيان كثيرة إلى عملية تسويق وعلاقات عامة، يظن النجم فيها أنه عارض أزياء، وتعتقد من خلالها النجمة بأنها جديرة بالترشح لجائزة نوبل!

فيصبح بعضهم أسيراً للعمل الواحد الذي حقق له هذا النجاح والتفوق، غير قادر على الخروج من إطاره فينتهي، فلا يصبح الكاتب كاتباً بعد كتابة مقال واحد، ولا المغني مغنياً بعد أن يشدو بأغنية واحدة، ولا الروائي روائياً برواية واحدة. آخرون يقعون في فخ التكرار الممل، أو وهو الأسوأ، الإسفاف والاستخفاف، فيخرجون، ليس فقط عن النص، وإنما عن الذوق والآداب العامة، ويشعر الجمهور الفطن بهذا، فيبدأ بوصف العمل “بالبايخ” والشخص نفسه بالسماجة! وشيئاً فشيئاً ينفض السُمار، دون أن ينتبه النجم الذي انتفخ وصار مقتنعاً بأن الأمهات عقمن أن ينجبن مثله! وحين ينتبه يكون الوقت قد فات كثيراً لتدارك ما قد حصل، فيخسر الشخص تميزه، ويخسر المجتمع إبداعاته.

كيف كان يمكن تلافي ذلك؟

ببساطة، عن طريق إنزال كل شخص قدره، وعن طريق جعل النقد الهادف يمشي بالتوازي مع المديح والاحتفاء. مثلاً حين تنشر الصحف خبر فوز مبتعث بجائزة ما، نريد مع الخبر رأياً لخبير محلي في تخصصه يخبرنا عن أهمية هذه الجائزة علمياً في واقع الأمر، وقيمة بحثه أكاديمياً، وكيف يمكن أن يستغل هذا النجاح مستقبلاً. وحين يخرج علينا شاب صغير برواية مختلفة، لا نطير به ونقول عنه “نجيب محفوظ السعودية” فنظلم الفتى ونظلم الأستاذ نجيب محفوظ، وإنما يحتفي النقاد لمواطن التميز في إنتاجه الأدبي، وينبهونه إلى الثغرات في عمله الأدبي لجهة اللغة أو الأساليب أو الصياغة، حتى يخرج عمله الثاني – بإذن الله- بشكل أفضل. والأمر عينه ينبغي أن يحصل مع نجوم اليوتيوب الذين تكاثروا بطريقة الأرانب في زمن قياسي، ففي البداية كانوا هواة نتعامل معهم على هذا الأساس ونشجعهم، لكنهم صاروا محترفين، لديهم رعاة ومعلنون، ويقومون بجولات داخل القطر وخارجه، ويحققون مكاسب مادية جيدة، وبالتالي فلا بد من نقد أدائهم بموضوعية فنياً وأخلاقياً. فبعض شبابنا أخذوا من “الستاند آب” في الكوميديا الغربية ما هو أكثر من الاسم، استوردوا الشتائم واللعن والإيحاءات الجنسية، وهذا عيب ولا يليق بالفنان ولا الجمهور الذين من بينهم أطفال يتطلعون إليهم بإعجاب.

همسة أخيرة في أذن النجم أو النجمة: قيمتكم تكمن فيما تحسنون القيام به، ومعظمكم بالفعل موهوب ومتألق، ولكن شهرتكم تأتي من حب جمهوركم لكم، والذي بدوره يغذي اهتمام وسائل الإعلام ومنظمي المناسبات بكم، ومتى ما شعر جمهوركم بتعاليكم عليه فسينفض عنكم، وتعودون بعدها فجأة كما كنتم سابقاً، أشخاصاً عاديين لا يعرفكم أحد، وتعيشون بقية عمركم على ذكرى الخمس عشرة دقيقة من الشهرة التي كانت – ذات ساعة- لكم، كما بشر بذلك الفنان الأميركي “آندي ورهول” في ستينات القرن الماضي حتى قبل أن تولدوا!

المقال في الوطن

حب في الطائرة!

$
0
0

Love is in the airانطلقت طائرة الخطوط الجوية السعودية في رحلة داخلية تقطع فيها بلادنا الشاسعة باعتبارها –حتى إشعار آخر- خيار السفر الوحيد العملي المتاح للغالبية. وكالعادة ما إن يدخل الركاب وحتى لحظة الإقلاع وطقم الملاحين ينشغل بلعبة الكراسي لحل مشكلة جلوس الراكبات المسلمات عموماً والسعوديات خصوصاً بجانب الركاب الأجانب. ولا أعرف لمَ لا يتم تطوير نظام الحجز، بحيث يظهر جنس الراكب وقت اختيار المقاعد عبر الإنترنت، أو حتى لدى موظف الخطوط في صالة المطار؟ صحيح يستحيل التغلب على هذه المشكلة بشكل كامل بسبب عدم تساوي أعداد النساء والرجال والأطفال في طائرة ما، لكن لعله يقلل منها ومن إضاعة الوقت. في رحلتنا الأخيرة قام شابان – هيئتهما ولهجتهما تقولان إنهما سعوديان- بالتنازل طوعاً عن مقعديهما لي ولسيدة أخرى، في موقف ينم عن ذوق واحترام وتفهم لعادات البلاد، شكرناهما وشعرنا بالامتنان، لكن ما إن أقلعت الطائرة حتى فوجئنا بمنظر لأحدهما لا يسر الناظرين، وقد تفاجأنا به كثيراً، لأنه لا يتفق مع هيئة الشاب وسلوكه العام!

حينما يتعرف شاب وفتاة للمرة الأولى، تجد البدايات عادة خجولة، يتخللها أسئلة ومحاولات لإذابة الجليد، ولا تتطور الأمور إلى إطلاق المشاعر لفظاً أو فعلاً إلا بعد عدة لقاءات، وقد لا تتطور إلا مع عقد القران بحسب تربية كل منهما وتدينه ونيتهما من العلاقة. ولذلك كان من الغريب جداً أن تجد شاباً يتعرف إلى شاب آخر للتو، ثم بعد عشر دقائق أو أكثر بقليل تجدهما يتصرفان بشكل غريب وغير لائق، دون خجل من الركاب، أو من الملاحين، ومع أنني بحكم إقامتي الطويلة في الخارج شاهدت هذه المناظر المؤسفة للشاذين في الأماكن العامة لدرجة أنها ما عادت مستغربة، لكنها المرة الأولى التي أراها فيها على هذا النحو داخل وطني المسلم المحافظ، فأزعجتني وأثارت استيائي، خاصة لجهة المجاهرة.

رفيقتي في السفر كانت سيدة عربية ناضجة، مقيمة هنا منذ الطفولة، ويبدو أن المنظر كان أكثر غرابة بالنسبة لها، وأكثر إثارة لاستيائها مني، كانت تضع يدها على رأسها وتستغفر. في البداية أردنا أن ندعو عليهما، ثم عدلنا رأينا وبدأنا بالدعاء لهما بالهداية، فأحدهما يبدو خلوقاً ومن عائلة محترمة، ومن المؤسف سقوط مثله في هذا الوحل. جرنا هذا التصرف للحديث عن أسباب ظهور الشذوذ في مجتمعاتنا، بل وظهورها علناً على السطح مؤخراً، فما الذي يجعل المرء ينحرف عن الفطرة السوية، ويسيء لنفسه وأهله ومجتمعه، وقد يعرض حياته للخطر بهذه العلاقات؟

سيتدخل البعض هنا ويقولون هو الكبت، والفصل الحاد بين الجنسين، ولكن لو كان هذا هو السبب فعلاً فلماذا يظهر الشذوذ على نحو واسع في المجتمعات الأكثر انفتاحا وحرية؟ مع اعترافي بأننا في مجتمعنا انشغلنا بقضية الاختلاط والعلاقات المحرمة بين الجنسين، والتي يمكن أن تنتهي نهاية جيدة بالزواج .. لو صلحت النيات، في حين تتوارى قضية، لا حل لها، مثل الشذوذ إلى الركن، فلم أسمع خطباً ولا فتاوى ولا برامج ولا مناشط دعوية توليه اهتماماً كما أولته لقضايا عباءة الرأس أم الكتف، وعمل المرأة المختلط، وحتى قيادة المرأة للسيارة، مع أن الشذوذ محرم بالإجماع وتأثيره مدمرٌ على المجتمعات والأسر.

رأي آخر سيتحدث عن الانفتاح الزائد والتأثر بالغرب والأفلام الإباحية وغيرها، ولا ينكر حتى العلم وأبحاثه التأثير المدمر لهذه الأخيرة، لكنه ليس سبباً كافياً، بدليل أن ملايين الشباب المغرمين بالغرب، أو المشاهدين لهذه النوعية من المشاهد السيئة لم يتحولوا عن ميولهم الفطرية، ولم يتنازلوا عن رجولتهم وشرفهم.

من الأسباب الأخرى التي تطرح الأسباب الأسرية والنفسية والاجتماعية، كأن يكون الشاب تعرض لتحرش جنسي وهو طفل، وبالتالي بدأ حياته في هذا المستنقع، فانعدمت ثقته بنفسه، وفقد إحساسه بالكرامة، وبالتالي لم يستطع أن يخرج من هذا الإطار، ومع مرور الوقت تعود عليه وبات هذا هو الوضع الطبيعي بالنسبة إليه. وسيفتي غيره من الأطباء أو علماء النفس بأن للأمر علاقة باختلال الهرمونات أو اضطرابات نفسية سلوكية، وغيرها من التفسيرات.

وكل الآراء السابقة هي لأناس يعتقدون بخطأ هذا الأمر وبالتالي يبحثون عن جذوره وأسبابه، لكن سيبرز فريق آخر، وهو الرأي المتبنى في معظم المجتمعات الغربية، أن الأمر لا يعدو عن كونه خياراً شخصياً يجب أن يُحترم، مثله مثل أن تختار أن تكون نباتياً. إلا أن المتدينين من أتباع الديانات السماوية الثلاث لا يعترفون بهذا الرأي، ويؤمنون بأن الإنسان إما ذكر أو أنثى، ولا وجود لجنس ثالث، وأن العلاقات العاطفية والجنسية يجب أن تكون بين الجنسين فقط وعبر بوابة الزواج الشرعي.

ما دعاني لطرح هذا الموضوع، والذي أرجأت الكتابة فيه مراراً، باعتباره من المحرمات التي يتحرج مجتمعنا من الخوض فيها، هو ما سمعته وقرأته عن ظهوره للعلن بشكل أكثر جرأة من السابق، والدليل ما شاهدته بنفسي في الطائرة، فتناولته من أجل الدفع باتجاه تشريح العلاقات الشاذة لوضع الحلول الوقائية -على الأقل- للحد منها. فلا أحد يستطيع تفسير هذه الأفعال نحن بحاجة إلى فرق علمية متكاملة تضم علماء نفس واجتماع وأطباء وعلماء شريعة لدراسة هذه الظاهرة في مجتمعنا، فمن قال بأننا لا نحتاج للتخصصات الأدبية والإنسانية، فهل بغيرها يمكن فهم أنفسنا كأفراد ومجتمعنا كذلك؟
هذه الفئات لا تزال قليلة نسبياً بحمد الله، لكننا لا نعرف كيف ستتطور الأمور في المستقبل، فإن زاد العدد قويت الشوكة، وصارت لهم ربما -كما في الدول الأخرى- مطالب، تدعمها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وغيرها،والتي لها منطلقات ليست بالضرورة متوافقة مع شريعتنا وقيمنا. فهل تتبنى هذه الدراسة جامعة أو مؤسسة بحثية ما؟

المقال في جريدة الوطن

المثقف وأزمة المبادئ

$
0
0

counter-writers-block

تفرض الأحداث المتلاحقة في أم الدنيا نفسها على المتابع العربي في كل مكان، ويصبح الحديث عن ما يجري في ميادينها أكثر إثارة وأهمية من الحديث عن الموضوعات الداخلية. وعلى الرغم من أن الساحة المصرية على أشد ما تكون من الإنقسام، وهذا متوقع جداً، بسبب الطريقة التي تم فيها إزاحة الرئيس، إلا أن بروز هذا الانقسام الحاد بين المثقفين في الخليج عموماً والمملكة خصوصاً، لهو جدير بالمتابعة والاهتمام. ليس لأن هناك تبايناً شديداً في الرأي حول هذه القضية، وحول إعتبار ما جرى إنقلاباً على ثورة يناير أم تصحيحاً لها، وإنما للطريقة التي عبر فيها كل مثقف، أو كاتبة، أو صحفي، وغيرهم من النخب عن آرائهم، وكيف وقع الجميع مع استثناءات قليلة في فخ الاستقطاب والتعصب، وباتت الآراء مبنية على الخلفية الفكرية لكل شخص، وليس نتيجة لما يجري على أرض الواقع.

فالفريق الأول يضم خليطاً عجيباً من التوجهات من يساريه وليبرالية وقومية وحتى بعض من السلفيه، وهي تيارات عرف عنها عداوتها الشديدة لبعضها، لكنهم اتفقوا هذه المرء تحقيقاً لمقولة: عدو عدوي صديقي! والعدو المشترك هنا هو جماعة “الإخوان المسلمون”، والذين ينتمي إليهم الرئيس د.محمد مرسي. فهذه الفئة، خاصة الليبرالية والعلمانية منها، لطالما تشدقت بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وقدمت نفسها كمناضلة للحريات الإعلامية والدينية، وكرافضة للأحكام العسكرية والعرفية وقوانين الطوارئ، إلا أن كل هذه “المبادئ” أصبحت منتهية الصلاحية إذا كان الأمر متعلقاً بخصومهم الفكريين، وحتى الصندوق الذي لطالما دعوا للأخذ به غدا متأمراً خبيثاً لا ينبغي الاستناد برأيه، فالصندوق جاء بهتلر، وعليه فهو لا يؤتمن!

ورغم غرابة هذا التحول الفجائي إلا أنه يظل للمرء حرية أن يعتقد ما يشاء، وبالتالي فيمكن تفهمه بالأخذ بالاعتبار بنظريات التطور الدارونية، إلا أن ما لا يمكن فهمه أو القبول به، هو أن هذا الفريق انتقل تركيزه من نقد الخط الفكري والسياسي لجماعة الإخوان المسلمون، وهي جماعة سياسية في نهاية المطاف وليست فوق النقد، إلى هجوم صارخ على كل من خالفهم الرأي بهذا الخصوص. فباتت نظرية “اكفش إخواني” مسلطة على كل شخص لم ينضم لفريقهم، ولم يحاول أن يرى الأمور من زاوية أخرى، والتهمة الإخوانية هنا أشبه بالتهمة المكارثية في أمريكا الخمسينات، حين اتهم خيرة رجالات أمريكا ومثقفيها بالشيوعية، لتنهي مستقبلهم السياسي أو الثقافي في بلد هو عقر دار الرأسمالية، والحرب الباردة آنذاك على أشدها ضد الاتحاد السوفيتي، ليتبين لاحقاً أنهم أبرياء. مع أن من بين من لم يعجبهم تغيير الرئيس المصري بالطريقة التي تمت مسيحيون وغربيون وكتاب مستقلون، بل وأشخاص هم أيدلوجياً ضد فكر الاخوان، لكنهم لم يغيروا مبادئهم بحسب ما تجري به الرياح، فهم ضد إغلاق قنوات الرأي الآخر تحت أي ذريعة، وضد وأد التجربة الديمقراطية في مهدها، وضد الانقلابات العسكرية بالمطلق، لأن العسكري لم يخلق ليحكم، والتجارب مريرة معها في العالم العربي وباكستان وغيرها. فإذا كان السياسي في أي مكان في العالم معذوراً في مواقفه التي تمليها مصالح معروفة وغير معروفة للعامة، وتحالفات وتوازنات للقوى، والتي تدفعه لاتخاذ موقف ما في قضية بعينها، وموقف مغاير في قضية أخرى مشابهة، فإن المثقف كان يفترض به أن ينحاز لقناعاته، إن كانت فعلاً قناعاته الراسخة، أو في أحسن الأحوال يظل على الحياد.

الفريق الثاني، وهو الفريق الذي يقدم نفسه على أنه انحاز إلى الشرعية الانتخابية، وإلى ما جاءت به صناديق الاقتراع في أول انتخابات نزيهة وحرة تجري في مصر منذ أن تحولت للنظام الجمهوري قبل ستين سنة، مع أن بعض أفراده كانوا يرون حرمة الانتخابات بالأصل، أو عدم جدواها في مجتمعات قبلية وطائفية ومناطقية، لكنه فجاءة صار يتحدث عن خيار الصندوق والاختيار الحر، وهو الذي ربما كان يصنف نفسه فقط ممثلاً وحيداً لأهل الحل والعقد. ولا يمكن إنكار وجود أصوات من هذا الفريق رمت كل من عارض الرئيس المنتخب محمد مرسي وانتقد أداؤه السياسية والاقتصادي بأنهم من فلول النظام السابق ومن المنافقين والمتصهينين وربما الكافرين. فعلى الرغم من قصر المدة الممنوحة للحكومة المنتخبة، إلا أن نقد أدائها أمر مشروع ولا يختلف عن نقد أي نظام سياسية آخر، ونقد الأداء الإخواني، أو عدم التصويت لمرشح جماعة الإخوان المسلمون، لا يعني بأن هذا الشخص ضد الدين، فهم وإن كانوا يتبنون الفكر الإسلامي إلا أنهم يترشحون كفصيل سياسي كبقية الفصائل الأخرى، وبالتالي ليسوا محصنين ضد النقد، ونقدهم ليس نقداً للإسلام بحال. على شرط أن يكون هذا النقد موضوعيا ومنصفاً ومبنياً على الحقائق.

مصر ليست كأي دولة، ومنذ عامين وكل حدث يجري على أرضها يترك تأثيرها واضحاً على كل المنطقة، بشكل يختلف عما حصل في تونس مع أن شرارة الثورة انطلقت منها، أو في ليبيا والتدخل الدولي فيها، أو اليمن أو سوريا الجريحة. ومن الطبيعي أن تخضع هذه الأحداث غير المسبوقة فيها إلى النقد والتحليل، وسيكون هناك اختلاف وتباين في الآراء بلا أدنى شك، في مصر وخارجها، وهذا كله جزء من سنة الحياة وطبيعية البشر. لكن ما هو غير الطبيعي وغير المقبول أن نترك قراءة الحدث لننتقل إلى قراءة النوايا، وأن نبيع المباديء التي ناضلنا من أجلها طويلاً وبشرنا بها دهراً بثمن بخس إستجابة لهوى النفس وبغضاً للطرف الآخر، وللفكر الذي يتبناه. ومن غير المنطقي أن يفر المرء من قنوات عربية لأنها امتهنت الكذب والتزوير ضد خصومها إلى قنوات أوربية وأمريكية لأن صحافييها، الذين يختلف جلهم معنا في العرق والدين والفكر، لم ينسى بعد بأن المصداقية هي رأسمال أي إعلامي، بل ومستعدٌ أن يتعرض للأذى في سبيل نقل الصورة كما هي أو قريباً من ذلك، فالمباديء سميت مباديء لأنها من تلك الأمور..التي لا تباع ولا تشترى.

المقال في الوطن 

تغريدات للبيع!

$
0
0

قبل أكثر من أربع سنوات نشرتُ في “الوطن” مقالا بعنوان: “تويتر وكيف يغير حياتنا”، ولم يكن الموقع وقتها قد حظي بشعبية واسعة في البلاد العربية بعد. المقال المذكور تطرق إلى استخدامه من قبل الشركاتtwitter-money-300x300 العالمية في التسويق لمنتجاتها، وفي التواصل مع زبائنها والرد على مشكلاتهم أو استفساراتهم، والأمر نفسه مع السياسيين الذين بدأ بعضهم آنذاك بالتواصل مع مواطني بلدانهم. أي أنه كان من الواضح آنذاك بأنه يتم استخدام هذه المنصة التفاعلية فيما هو أبعد من التواصل بين الأصدقاء والمعارف وأصحاب الاهتمامات المشتركة. فما الجديد الذي سنتحدث عنه هنا؟

الشركات وأصحاب المال والأعمال، أدركوا قوة هذه الأدوات، لا سيما “تويتر”، في القيام بشيء يحتاجونه جدا في تجارتهم: وهو توصيل منتجاتهم وخدماتهم إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين. فلم تعد الشركات تكتفي بإنشاء حسابات رسمية لها على الشبكات الاجتماعية، ولا بالتواصل مع الزبائن عبر هذه الحسابات، وإنما ابتكروا طريقة جديدة أكثر فعالية برأيهم، تتمثل في ترك الناس يتحدثون، أو بتعبير أدق “يغردون” حول هذه المنتجات من حساباتهم الخاصة لمتابعيهم، وذلك نظير مبلغ مالي أو منفعة ما. المهم في الموضوع هو أن يتفاعل المتابعون مع ما يرسله المغرد، سواء بعمل بإعادة إرسال التغريدة (ريتويت)، أو الضغط على الرابط، أو طرح سؤال بشأنه وهكذا. وكلما زاد عدد المتابعين، كلما ارتفع سعر تغريدة الحساب، ولنأخذ أمثلة لمشاهير عالميين بهذا الخصوص، فوفقا لصحيفة الهافنغتون بوست الأميركية (مايو 2013)، فإن الممثل فرانكي مونيز (عدد المتابعين -175,323) يتقاضى 252 دولارا أميركيا على التغريدة الواحدة، فيما تنال نجمة تلفزيون الواقع كول كرداشيان (عدد المتابعين- 8,147,594) على 13 ألف دولار على التغريدة!

ويبدو أن طريقة الدعاية هذه ناجحة جدا، بدليل ازدهارها واستمرارها، وظهور شركات متخصصة في هذا النوع من العلاقات العامة والتسويق، بحيث تربط المعلن بالمغرد لتحقيق أهداف كلا الطرفين، وهي موجودة بكثرة على الإنترنت. وهذا العمل قانوني ولكنه يخضع لعدة معايير أخلاقية، لا تقبل الشركات المحترمة لنفسها أن تحيد عنها. وعلى رأس هذه المعايير: ضرورة إفصاح المغرد عن علاقته بالشركة التي يعلن لحسابها أي أنه يقوم بنشر تغريدات مدفوعة، وأن يكون للمغرد حرية اختيار المنتج الذي يريد أن يعلن عنه، فلا يستغل حسابه لنشر تغريدات تلقائية لا يستطيع التحكم فيها، وأن تكون شخصية المغرد وكذلك اسم الشركة والمعلومات الإحصائية عنهما متاحة للطرفين، بحيث يستطيع كل منهما أن يقوم ببحث عن الآخر قبل أن يدخل معه في علاقة عمل.

twitter-moneyولو أن كل ما ذكر هنا يطبق من قبل كافة الأطراف في كل الحالات لما كانت لدينا مشكلة أو مخاوف، فهو علاقة تجارية مثل غيرها، إلا أنه في كثير من الأحيان لا تجري الأمور على هذا النحو. فقد يتعرض المتابعون للخداع من قبل من يتابعونهم، لا سيما من المشاهير، ولذلك فإن لجنة التجارة الاتحادية FTC- Federal Trade Commission والمسؤولة عن حماية المستهلك في الولايات المتحدة قد وضعت معاييرها الخاصة التي تلزم فيها المشاهير الذين يقومون بالترويج للمنتجات المختلفة خارج إطار الإعلانات التجارية التقليدية، وتحديدا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بضرورة الإفصاح لمعجبيهم عن علاقاتهم مع هذه الشركات، مع اعتراف الخبراء باستحالة مراقبة كل هؤلاء على أرض الواقع واتخاذ أية إجراءات بحقهم، لكنه يبقى التزاما أدبيا وأخلاقيا. وهناك معايير أخرى في هذا المجال مثل أن يغرد شخص يعمل في شركة ما لصالحها من تلقاء نفسه ودون مقابل، ولكنه في الأخير ينتمي لهذه المؤسسة، وله مصلحة في نجاحها وإسعاد رؤسائه، فهنا لابد من أن يفصح عن ذلك للآخرين. وأيضاً هناك جدل عما إذا كان على السياسيين والمشهورين أن يفصحوا عن كون حساباتهم تدار من قبل أشخاص آخرين وليس من قبلهم مباشرة.

أما في العالم العربي فالواقع يقول بأن عمليات بيع وشراء التغريدات تتم على نطاق واسع، فيكفي أن يكون عدد متابعيك 5 آلاف، حتى تكون هناك احتمالية أن يأتيك عرض ما مدفوع الثمن لكي تغرد حول هذه السلعة أو ذاك المشروع مقابل 500 ريال. إذ يتم حسب التسعيرة بـ10% من عدد متابعيك، وهناك شركات متخصصة مثل Klout تحسب التأثير الحقيقي للأشخاص عبر “تويتر”. وهذا ربما يفسر تلك الرغبة المسعورة في تجميع المتابعين، والتي وصلت إلى حد شرائهم من قبل بعض المشاهير، فالقضية ليست كما كان الكثير منا يظنون أنها عبارة عن إشباع الغريزة النرجسية في الإنسان بأنه محبوب ومطلوب، وإنما هناك فائدة مادية مباشرة وملموسة.

ولا يقتصر الأمر على “تويتر” بل يشمل وسائل الاعلام الاجتماعية الأخرى مثل رفع صورة لفعالية أو مناسبة ما على “الانستجرام“، أو تسجيل الدخول إلى مطعم ما على تطبيق “الفورسكوير”. والطريف أن الأمر لا يقتصر على مدح المنتجات أو الترويج للأحداث بشكل إيجابي، بل يمكن نشر الحدث عن طريق الاستهزاء والسخرية  والنقد السلبي الذي يتم الاتفاق عليه سلفا! وتحدد بعض الشركات أوقات التغريد المطلوبة للمغردين بحيث يكون .هناك تناوب وتتابع. أما أطرف ما سمعت عنه فهو التالي: شخص غير مشهور يفتح وسماً جديداً (هاشتاق)، فيكتب فيه المشهور، ويرد عليه مشهور آخر ويحصل بينهما لغط، ويتفقان على اللقاء في مكان ما لبحث الأمر، ويا لها من دعاية تلك التي نالها مالك المطعم أو الفندق!

يؤكد الناشطون في هذا المجال بأنه تمت الاستفادة فعليا من هذه الاستراتيجيات من قبل الكثير من المشاهير، بما فيهم كتاب، ومثقفون، وفنانون، ورياضيون، وإعلاميون، ودعاة، بل حتى ثوار وإصلاحيون. فهل من الخطأ أن يتكسب المغرد وأن يحسن دخله عن طريق الاستفادة من حجم متابعيه؟

والجواب بأن الأمر قانوني، ولا مشكلة في ذلك، بشرط تحقق أمر واحد كما تنص المواثيق في الدول التي تنتهج الشفافية: أن يتم الإعلان عن ذلك مسبقا، بحيث يعرف المتابعون بأنك تتلقى مقابلا على ما تروج له، فهم يثقون بك وإلا لما تابعوك غالبا، فأن تكون صادقا معهم ستجعلهم يقررون بأنفسهم جودة المنتج وأهميته. لكن حين لا تخبرهم فيعتقدون أن هذا رأيك من تجربة وقناعة، فسيشعرون حين يكتشفون بأنك خدعتهم.

TwitterMoney-640x279والحديث عن شراء التغريدات قد يكون مقبولا في مجال التجارة، لكنه يصبح أكثر إثارة للقلق حينما نأتي للجانب السياسي، لا سيما في ظل الأوضاع غير المستقرة في منطقتنا. فإذا كان التاجر مستعدا أن يدفع لأحدهم الآلاف لأجل الترويج لحفلة، فكم ألفا سيدفع من يرغب في الحفاظ على كرسيه؟

حين نرى اندفاع بعض مشاهير “تويتر” للدفاع عن نظام ما بالمطلق، والتصفيق لأي قرار يتخذه، ولو كان يتعارض مع مبادئ هذا المغرد الذي يطبقها على بقية الأنظمة، فإن السؤال الذي سيتبادر لأذهاننا هو: هل دخلت وزارات الإعلام والداخلية والخارجية لعبة شراء التغريدات كما دخلتها وكالات الدعاية والإعلان والتسويق؟

المقال قي صحيفة الوطن

 ملاحظة هذه النسخة مطولة عما نشر في الصحيفة بسبب ضيق المساحة*


الرواد..الذين عمَّروا البلاد

$
0
0
الأمير فيصل يلقي كلمة تحية الى والده بمناسبة عيد الأضحى لدى زيارته لهيئة الاذاعة البريطانية ومن خلفه من اليسار الى اليمين المستر هيللسون (مدير قسم الشرق الأدنىBBC-) والشيخ حافظ وهبة والشيخ عبدالله علي بلخير والأمير خالد ومصطفى وهبة

الأمير فيصل يلقي كلمة تحية الى والده بمناسبة عيد الأضحى لدى زيارته لهيئة الاذاعة البريطانية ومن خلفه من اليسار الى اليمين المستر هيللسون (مدير قسم الشرق الأدنىBBC-) والشيخ حافظ وهبة والشيخ عبدالله علي بلخير والأمير خالد ومصطفى وهبة

كثيرا ما تدور عندنا أحاديث المربين وأولئك المهتمين بغرس الوطنية في نفوس الناشئة والشباب، عن أفضل طريقة لربط الشاب بوطنه وتاريخه، بحيث تحفزه على أن يبذل جل طاقته لأجل أن يسهم هو بدوره في إكمال المسيرة، وعن الوسائل التي يجب اتباعها لتحقيق ذلك. فمعظم الجهود المبذولة حتى الآن من قبل الوزارات المعنية والجهات الإعلامية، تكاد تنحصر في استحضار البعد التاريخي، بشقه السياسي على الأرجح لا سيما فيما يتعلق بتاريخ نشوء المملكة، مع مرور سريع يسجل الإنجازات التي تمت في عهد كل ملك من ملوكها السابقين – رحمهم الله أجمعين – لكن يكاد يغيب من هم وراء هذه الإنجازات.

فالملك هو القائد الأعلى للفريق الذي يصنع هذه الإنجازات، وهو يختار أفراد فريقه بعناية فائقة، ليكونوا من ينفذ هذه الإنجازات ويشرف على اكتمالها على أرض الواقع، مسلحين بدعم الدولة وثقة القيادة. وبالتالي فكان لزاما حتى نفهم تاريخ حقبة ما، أن ننظر ليس فقط للمشهد العام الذي يؤرخ لفترة الحكم المعنية، وإنما أيضا للتفاصيل الدقيقة التي تكون هذا المشهد، والتي يظهر فيها ثلة من الرجال المخلصين، الذين بذلوا الكثير لهذا الوطن. خاصة المتميزين منهم، ممن كانت لهم نظرة ثاقبة، وبصمات تاريخية في مجالهم تجاوزت حدود الوطن بل والمنطقة إلى العالم أحيانا. فلم يكد هؤلاء الرجال يغيبون عن ذاكرة مجتمعنا؟

كان هذا السؤال يلح في ذهني وأنا أطالع كتابا عن سيرة الراحل عبدالله الطريقي، أول وزير للنفط في المملكة العربية السعودية، ومن الذين أسهموا في إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك)، والتي لا تزال تقوم بدور لا يستهان به للدفاع عن مصالح هذه الدول، ومعظمها من دول العالم الثالث، في وجه الدول المستهلكة لها، ومعظمها من دول العالم الأول. هذا الرجل على قصر مدة وزارته، إلا أنه ترك بصمة لا تنسى على صناعة النفط في العالم، سواء عبر مناصبه التي تقلدها في بلادها، أو عبر كتاباته ومحاضراته وتجاربه كمستشار في عدد من الدول العربية بعد ذلك. ومع هذا أكاد أجزم بأنه ليست فقط سيرة هذا الرجل، بل حتى اسمه، مجهولين بالنسبة لجل المواطنين. لا أتحدث عن أبناء هذا الجيل الجديد فقط، بل وعن أجيال سابقة، ممن لم يعاصروا حقبة الخمسينيات والستينيات الميلادية. وهو للأسف جزء آخر من جهلنا شبه التام بكل ما يتعلق بالقطاع النفطي في بلادنا، تاريخا أو حاضرا، مع أنه عصب حياة هذه البلاد.

وليس الشيخ الطريقي فريدا في حجم إنجازاته، ولا في عدم تبوئه المكانة اللائقة في الذاكرة الشعبية، فبعد عشر سنوات أو عشرين سنة، ما لم يتغير تعاطينا مع الرواد، سيكون هناك جيل ربما لن يسمع عن الدكتور غازي القصيبي! وقد يتعرف عليه عن طريق إنتاج الرجل الأدبي رواية وشعرا ونثرا ومقالة، والذي لا فضل لأحد سواه فيه، ومن ثم يحثه فضوله ليبحث في تاريخ المؤلف، ليتفاجأ بأنه كان شغل كرسي الوزارة في أربع وزارت: الكهرباء، الصحة، المياه والعمل، وتقلد منصب السفير أيضا في دولتين: البحرين والمملكة المتحدة (مع جمهورية أيرلندا).

والرواد الذين يستحق أن نتحدث عنهم كثر، ولكن لن يسعهم المقال، ليس فقط للمساحة، وإنما أيضا هذا الشح في ما نعرفه عنهم، لكن سأحاول المرور على بعض الأسماء على عجالة. ففي مجال حيوي كوزارة الخارجية، نجد اسما لشخصية لامعة مثل الشيخ عمر السقاف، باعتباره كان وزيرا للشؤون الخارجية في حقبة تاريخية مهمة، في عهد رجل بوزن الفيصل، شهدت أحداثا زلزلت المنطقة ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم، بما فيها انتكاسة العرب المؤلمة في حرب 67، ووصولا لنصر أكتوبر ودور المملكة التاريخي في قضية النفط.

كما يحضر اسم الشيخ محمد سرور الصبان، ذلك الرجل الذي يجمع معاصروه أنه من رواد النهضة ليست في وزارته الاقتصاد والمالية فحسب، وإنما أيضا في المجال الأدبي والثقافي، بالإضافة إلى المجال الخيري والتطوعي. ويبرز اسم الشيخ عبدالله بلخير، كواحد من الرواد في عهد الملك المؤسس – رحمهما الله – فهذا الرجل كان المترجم الرئيسي للملك عبدالعزيز، وهو من تولى الترجمة بين جلالته وبين الرئيس الأميركي الشهير روزفلت في اللقاء الشهير على ظهر الباخرة. وكذلك في لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني الأشهر تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية. وكان يعد وزير الإعلام في عهد الملك سعود، حيث أنشأ، بطلب من جلالته، مديرية للإذاعة والصحافة والنشر، كما كان وزيرا مفوضا بعد ذلك، وهو في الأصل أيضا أديب وشاعر ومؤلف، فرجال تلك الحقبة، كانوا غالبا من أهل الفكر والقلم والعلم.

تضيق المساحة كما تقدم عن ذكر كل الرواد الذين أسهموا، تحت قيادة ملوكهم، في تعمير هذا الوطن الذي لا نزال نتفيأ ظلال خيراته، لكن ما يمكن الخلوص إليه، هو أن النهايات لم تأت من فراغ، بل سبقتها بدايات، وما أصعب البدايات، حين تبدأ كل شيء من العدم، فتستحدث الأنظمة وتسن القوانين، وتشق الطرق، وترسم الدعائم، وتخوض معارك الوعي والتغيير، وخلف هذه البدايات شخصيات طموحة، لديها فكر ورؤية وهدف وطني نبيل. فضرورة معرفة قصص نجاحهم لا تقف خلفها أهداف عاطفية صرفة، لجهة رد الجميل لهم، مع أن هذا أبسط حقوقهم، فالذكر للإنسان بعد موته عمر ثان، ولكن لأن فيها من العبر والدروس التي يمكن أن يستفيد منها الإداريون اليوم من أصغرهم وحتى الوزير، ليدركوا الفرق بين الإداري الذي يعمل ليسير الأمور فقط وبين ذلك الذي يتعامل مع الإدارة والتخطيط بريشة فنان، وعقل مفكر، وقلب أسد. ومن حسنات الدكتور القصيبي أنه ترك لنا مذكراته الجميلة (حياة في الإدارة) فوثق لتلك الفترة التاريخية المهمة.

التعريف بهؤلاء الرواد يزرع الأمل في جيل من الشباب السعودي الذي يتطلع إلى وجود قدوة يفتخر بها من بيئته وتاريخه القريب، فيدرس سيرهم، ويتتبع خطاهم، لعله يضع لنفسه حلما، بأن يكون هو أيضا – ذات يوم – رائدا مبدعا يقود بلاده للمعالي، ويخلد اسمه على لوحة الشرف الوطنية.

المقال في جريدة الوطن

هل تريد أن تكون مشهوراً أم شهيراً؟

$
0
0

social mediaمع ظهور الإنترنت في حياة الناس، ظن الكثيرون بأننا سننقل مجتمعاتنا الواقعية إلى العالم الافتراضي، وهذا ما حدث إلى حد كبير، فوجدت مدارس وجامعات ومكاتب افتراضية. لكن ما لم يتوقعه هؤلاء ربما هو أن يقوم هذا العالم الافتراضي بالتأثير على العالم الواقعي خارجها، سواء كان ذلك التأثير إيجابياً أو سلبياً، أو كان مجرد خلق لأنماط جديدة من الحياة، وطرق التفكير، والتعابير اللغوية.

لنأخذ الشهرة كمثال، في الماضي كان المرء يعد مشهوراً لسبب معين معروف، جيداً كان  أو سيئاً، في أي مجال من مجالات الحياة، وهناك مشاهير على مدى التاريخ، وآخرون محددون بأزمنتهم أو أمكنتهم الجغرافية. ومع أنه يصعب تقدير حجم الشهرة، ومعرفة كم عدد الأشخاص الذين يعرفون هذا الشخص أو ذاك، لكن هناك اتفاقيات بشرية غير مكتوبة تجعلنا ندرك بأن الأنبياء عليهم السلام، أو الفلاسفة الكبار، أو العلماء، أو الأدباء، هم أشخاص مشهورون.

اليوم بسبب التأثيرات القادمة من العالم الرقمي باتت الآية معكوسة. سيأتيك شاب في أول العشرين، لم يقم بأي إنجاز ذو قيمة حقيقية، ويقول لك بكل ثقة بأنه شخص مشهور، إذ لديه تقدير دقيق لعدد الأشخاص الذين ليس فقط يعرفونه وإنما يتابعونه ويعجبون به!  ستنكر ذلك عليه وتقول عنه مدعٍ، لكنه سيرد عليك بالأدلة: موقع صفحته على شبكة الفيسبوك يقول بأن ثلاثة ملايين شخص سجلوا إعجابهم بها، وعدد مشاهدي قناته على اليوتيوب تجاوز الخمسة ملايين مشترك، أما عدد متابعيه على تويتر فقد تجاوز سقف المليونين بكثير!  ووسط احتجاجك على مقياس الشهرة الضحل هذا، سيكون الشاب يقود عقوداً حصرية ودعائية لكبرى الشركات العالمية، وتبلغ سعر “تغريدته” الواحدة  على موقع تويتر آلاف الدولارات!

فمعيار الشهرة أو الاشتهار تغير على ما يبدو بتأثير الشبكات الاجتماعية الافتراضية، ورأينا أشخاصاً هم مليء السمع والبصر على أرض الواقع، لم تكن لهم شعبية تذكر عليها، بينما آخرون لا يكاد يعرفهم أحد أصبحوا من رموزاً!

في اللغة الانجليزية يتم التميز بين الشخص المشهور (famous ) والشخص الشهير (celebrity) بشكل دقيق، ففي الحالة الأولى التعبير يرمز إلى شخص بنيت شهرته لسبب معروف (اكتشاف علمي)، فيغدوا مشهوراً في نطاق تخصصه (الطب مثلاً)، ولكن هذا الشخص لا يتتبع أحد أخباره، وليس له معجبون ينتظرون توقيعه، ولا يُذكر كثيراً في وسائل الاعلام خارج نطاق تخصصه. فيما الحالة الثانية ترمز إلى شخص يُحتفى به من قبل الناس، إما لسبب معروف كونه يبدع في مجال ما كالفن أو الرياضة، أو بدون سبب منطقي أو معقول مثل أبناء الأثرياء ونجوم تلفزيون الواقع الذين حتى لا يملكون مهارات التمثيل! فهؤلاء تلاحقهم العدسات، ويحلم برؤيتهم المعجبون والمعجبات، دون أدنى تعب أو جهد.

المشكلة اليوم تكمن في أن مفهوم الشهرة قد تشوه لدى الأجيال الجديدة ، وبالتالي بات الكثير من هؤلاء يتطلعون للنوع الثاني منها، مما يعني تهميشاً للجهد والعمل الدؤوب نحو الأهداف الحقيقية لصالح الانتشار السريع والمحتوى الفارغ والمشاريع الآنية، وهي أمورٌ لا تُبنى بها المجتمعات، ولا ترتقي من خلالها الأمم، ولا يرسم بها المستقبل .

مكة..القصص التي لم ترو بعد

$
0
0

makkah1

 تدور الأفكار في ذهني في كل مرة أحضر فيها مناسبة ما في مكة المكرمة أو لأهلها خارجها. يلفت نظري هذا الخليط العجيب من الأجناس والأعراق والألوان والأشكال، التي ليس فقط تعايشت مع بعضها كما تروج بعض الدول الصناعية الكبرى لمدنها الشهيرة مثل لندن وباريس ونيويورك بأنها اليوم عبارة عن مجتمع متعددة الثقافات، بل في مكة هذه الجموع بالفعل امتزجت وتصاهرت وانصهرت في بوتقة واحدة منذ قرون عدة، وأنجبت أجيالاً جديدة متعاقبة.

ففي العائلة الواحدة تجد هذا يماني الأصل، وذاك بخاري، وثالث هندي، أو أندونيسي، أو تركي، أو عراقي، أو شامي، أو مصري، أو أفريقي، وصولاً إلى من تنحدر أصولهم من الصين وأفغانستان وبلاد فارس وروسيا. ويبرز السؤال هنا: هذه الأعراق المتعددة، كيف وصلت – من كل حدب وصوب- إلى هذا الوادي غير ذي الزرع قبل عصور الطائرة والسيارة والملاحة الحديثة؟ كيف قطع هؤلاء القادمون براً من أواسط آسيا مثلاً هذه الصحاري المهلكة والطرق المرعبة قبل أن يحطوا في مكة؟ هل كانوا يفرون بدينهم من بلدة ظالم أهلها إلى رحاب البيت العتيق وجعلهم هذا الخوف يستصغرون كل هذه المصاعب للوصول إلى بر الأمان؟

لماذا يختار آسيويٌ أن يترك بلد الخضرة والماء والوفرة آنذاك ليستقر في هذا البلد الصحراوي الفقير الذي لا ينتمي لعرقه ولا يعرف لغته؟ كيف كانت البداية؟ كيف بنوا أعشاشهم الجديدة؟ كيف مددوا شبكة علاقاتهم الاجتماعية مع الأعراق الأخرى ومع من كانوا يعتبرون –آنذاك-أهل مكة؟ والسلطات الحجازية المتعاقبة كيف استوعبتهم؟

شاء الله تعالى أن تكون مكة قبلة ومحجاً سنوياً، إذ يفد إليها الجميع من كل فج عميق، ليذكروا الله ويتبادلوا المنافع بشكل دوري منتظم، لكن هذه الهجرات الرائعة جعلت من مكة المكرمة محجاً دائماً، تلمح في كل شارع وناصية وجهاً متفرداً، ولوناً مختلفاً، وعرقاً متداخلاً.

من اللافت للانتباه بأن كل الذين كتبوا ويكتبون عن مكة في صحافتنا، يختارون في الغالب أن يكتبوا عن مكة الدينية، عن المسجد الحرام والحج والعمرة ورمضان والمشاعر، أو عن مكة التجارية والمتمثلة في المشاريع والشركات التي تدر الدخل من السياحية الدينية، لكن عدداً قليلاً جداً من الإعلاميين عموماً والكتاب والصحفيين على وجه الخصوص يكتب عن مكة الأرض والناس، مكة التاريخ والتراث والثقافة، مكة المتنوعة المدهشة.

هذا التنوع الفريد، هو الذي جعل مكة حتى الأمس القريب أميز وأشهر حواضر الجزيرة العربية عامة والسعودية خاصة في العلم والمعرفة والثقافة والأدب والفن. بل حتى السفرة المكية اليومية عامرة بالطيبات من كل شيء، ففيها التميز الأفغاني جمباً إلى جنب مع الأرز البخاري، ومعهم الكبة اللبنانية، والملوخية المصرية، والعصيدة اليمنية، وهو تنوعٌ لا تكاد تلمحه في الجزيرة العربية ككل خارج منطقة الحجاز.

في العائلة المكية الواحدة قد تجد الأشقر والأسمر والأحمر، ولا يبدو المنظر لا مستهجناً ولا غريباً، فهذه مكة وهذه واحدة من حكايتها التي لم تروى بعد لأهلها قبل الآخرين. فمناهج التاريخ المدرسية تركز على مكة الجاهلية وصدر الإسلام ثم تنتقل فجأة للعصر السعودي الأخير، لكن هناك ما يزيد على الألف عام من التاريخ الذي ليس له ذكر. إنه تاريخي وتاريخك، وتاريخ الأهل والأجداد، الذي مازلنا ننتظر أن يُروى، بكل إشرقاته وإخفاقاته، كرواية لازالت تتوالى فصولها.

اليوم تخرج من مكة صحيفة جديدة، وهي تحمل اسم العاصمة المقدسة، وتحمل في طياتها تاريخها وحاضرها ومستقبلها، ولأنها “مكة”، فلا يمكن إلا أن تقارب الإبداع والتنوع الذي يغمر كل شبر من جغرافية أم القرى، وتلتزم بالتميز الذي يصبغ تاريخها المجيد. ولأن النور خرج من مكة ليضيء الجزيرة العربية ومن ثم العالم، فكذلك رسالة مكة الصحفية ستنطلق من جوار الحرم لتغطي وتستوعب كل شبر من الوطن الغالي المملكة العربية السعودية، ومن ثم تتعداها للمحيط العربي والإسلامي والدولي.

واقع مكة المكرم كمدينة، قد يكون اليوم ليس كما يأمل أهلها ومحبوها وعشاقها على صعد مختلفة، إلا أن صحيفة مكة قررت أن تكون الاستثناء، وأن تؤسس من مدرسة جديدة في الصحافة السعودية والعربية. وهذه المدرسة لا يجدر بها إلا أن تبدأ من مكة، التي كان لها السبق في إصدار أولى الصحف في بلادنا بدءاً من صحيفة “صوت الحجاز” و”القبلة” و”بريد الحجاز” مروراً ب” حراء” ووصولاً ” الندوة”، التي صدرت عن مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، التي تصدر منها اليوم صحيفة مكة كذلك.

قد تتغير الأزمنة والعصور، وتتبدل الأحوال والدول، ويظل القاريء المكي وفياً للحرف، ذواقاً للكلمة، ومتطلعاً للأفضل، ولهذا فالمأمول أن يجد في جوانب هذه الصحيفة التي بدأت مسيرتها العامرة في هذا الأسبوع المبارك ما يتمنى وأكثر، سواء كان ذلك على صعيد المعرفة، أو السبق الصحفي، أو أمانة الكلمة، أو شمولية المحتوى، أو وسطية الطرح، أو تنوع المتعة، وصولاً إلى الاخراج المتميز، والتصميم الجذاب ورقياً وإلكترونياً.

المدرسة الصحفية الجديدة التي ستنتهجها الصحيفة الوليدة، وقد استلهمت من روح مدينتها، لن تبدأ من حيث بدأ الآخرون بل من حيث انتهوا، وهي تتعلم ممن سبقوها في الغرب قبل الشرق، ووضعت لها سقف طموحات عال، وهي قادرة بتوفيق الله عزوجل أولاً، وجهود المخلصين ثانياً، أن تصل إليه بل وتتجاوزه، رغم تعدد الصعوبات في عصر التسارع الرقمي، وفي ظل النبؤءات السيئة التي تبشر بدفن الصحافة الورقية مرة أخيرة وإلى الأبد.

فالتحدي بدأ وسيستمر ما دامت هذه الجريدة بإذن الله تصدر وتُقرأ.

المقال في مكة أون لاين

article1_m

مكاوي: فشلت أن أتعلم الكذب ببراعة

$
0
0

Success after many failures

أعتقد أن هذا واحدٌ من أصعب المقالات التي طُلب مني كتابتها..ليس لأن فيه تعرية لفشلي أمام القارئ الكريم، ولكنه لأنه يجبرني أن أواجه نفسي وأذكرها بمحطات الفشل التي عمل عقلي الباطن جاهدًا لكي يلقيها في غياهب الجب! فأنا سأعترف ابتداء أنني متفائلة بطبعي، لكنني لا أتعامل بروح رياضية مع الفشل، قد «أبلع» الخيبات على مضض، لكن الفشل العيان البيان يظل يؤرقني لسنوات قادمة، لكن مادمتُ قد قبلت التحدي فقد حان الوقت لنبدأ على بركة الله:

- فشلت ابتداء في أن أتعلم الكذب ببراعة، رغم أن صدقي كلفني درسًا قاسيًا في بداية حياتي الدراسية، حين ساعدت زميلتي في واجباتها، ثم سألتها المعلمة حين استغربت أنها حلت الواجب -على غير العادة- من حله يا سمية؟ فكان الجواب:
مرام! وهذه المرام، والتي كانت تعتقد أن مساعدة الآخرين شيء يستحق المكافأة لم تنكر الواقعة، فتعرضت للضرب بالمسطرة أمام الصف وهي من أوائله!
وإلى اليوم حين يدخل لساني في اللعبة ويجاري الكذابين، سرعان ما تفضحني عيوني وقسمات وجهي، هذا الوجه الذي هو أشبه بمرآة تعكس بوضوح ما يدور بخلدي.

- فشلت في أن أحتفظ بآرائي لنفسي، رغم خطورة الكلام أحيانًا على علاقاتك الاجتماعية بل وعلى مستقبلك، فإن كان عندي رأي حول موضوع ما فستقرؤه أو تسمعه، ولعل الإيجابية التي خرجت بها من هذه الصفة، هي أنني أصبحت كاتبة رأي.

- فشلت في التخلص من العفوية والتلقائية في الحديث مع الغرباء كما الأقرباء، فأندم أحيانًا على استرسالي وثرثرتي وثقتي العمياء في الآخرين.
- فشلت أن أكون مستمعة جيدة بقدر ما أنا عليه ككاتبة ومتحدثة.

- فشلت في التخلص من عادة أحلام اليقظة التي لازمتني منذ بواكير طفولتي، حيث ينتج ذهني عوالم خاصة، أعيش مع شخوصها وأتفاعل معها، وقد يضيق الخيط الفاصل بين الحقيقة والخيال أحيانًا!

- فشلت منذ الطفولة في التأقلم مع القوالب الجاهزة والأطر المحددة التي يرسمها المجتمع للمرأة، ويعتبر أي خروج عليها انتهاكًا شديدًا للقيم والتقاليد، ولهذا الفشل ثمن باهظ، ولكنني سعيدة بهذا الفشل لأنه سمح لي بأن اختط لنفسي خطًا خاصًا يجمع بين اعتزازي الشديد بديني وقيمي وبين انفتاحي على ثقافات وشعوب العالم، ومع أن هذا الخط كان و لايزال مصدرًا لسوء الظن، إلا أنني نجحت على ما يبدو في ألا أبالي برضا الناس وإنما برضا خالقهم تعالى.

- فشلت في أن أحقق ما كنت أرجوه للطالبات السعوديات في بريطانيا من تمثيل يليق بهن في أندية الطلبة السعوديين في بريطانيا وإيرلندا، بسبب تعنت وممانعة البعض ومن لا زالوا ينظرون إلى المرأة بأنها يجب أن تظل في أي حراك ثقافي أو اجتماعي كمتفرجة ليس إلا، وفي الحقيقة فإن الفشل الأكبر كان في توحيد كلمة الطالبات قبل الطلاب.

- فشلت في تحقيق حلم والدي بالاستمرار في كلية الطب، فبعد عام واحد فيها أعلنت بأن هذا ليس مكاني والمستشفيات ليست ميداني، وانسحبت إلى تخصص علوم الحاسبات، وواصلت الدراسة في هذا التخصص حتى حصلت بحمد الله على أعلى درجة فيه وأنا بعد دون الثلاثين، مدفوعة برغبتي في تعويض والدي عن تلك الخيبة ما دمتُ قد حملت في النهاية حرف الدال.

- فشلت في أن أتخلص من عاداتي السيئة في التسويف، لاسيما في الكتابة، فتتراكم المشروعات بعضها فوق بعض، وأصاب بالقلق والرعب، وأضع نفسي تحت ضغط شديد لكي أسلم المقالات في وقتها.

- فشلت في التخلص من الملل الذي يصيبني بعد فترة قصيرة من مداومتي على أمر مهم كالرياضة، فسرعان ما أتوقف، ثم أعود للبدء من جديد، ثم أتوقف، وهكذا.

- فشلت من التعافي من إساءة تعرضت لها قبل ثلاثة أعوام، فلا زالت تلقي بظلالها على حياتي، ولم أصل بعد لمرحلة الغفران، أو في أحسن الأحوال النسيان، وهكذا هي حالنا مع الكراهية، فأنت دائمًا مغلوب، فلا الذاكرة تضعف، ولا الصفح يصل إلى قلبك فيشفيه..حلقة مفرغة مؤلمة.

- فشلت في التخلص من قلقي من المستقبل وماذا سأحقق فيه، أو من كوني لست جيدة بما يكفي في كتاباتي أو عملي أو نشاطاتي المختلفة، دائمًا أشعر بأنه كان يمكنني أن أكون أفضل وأكمل.

- فشلت في أن «أهتم بشؤوني الخاصة فقط» حينما يتعلق الأمر بعائلتي، فأنا أسأل عن أحوالهم ومستقبلهم بشكل مستمر، وربما قدمت لهم رأيًا أو نصيحة لم يطلبوها، محركها الحب والخوف والاهتمام من ناحيتي، لكن ليس وفق رؤيتهم على ما يبدو.

- فشلت في أن أهتم بشكل أقل بقضايا وطني وأمتي، ولهذا أشعر بالتوتر طوال الوقت، متعبةٌ أنا بعروبتي كما يقول نزار قباني.
هذه أهم محطات فشلي التي استحضرتها بالدخول على أرشيف الذكريات، فأرجو أن يكون مقالي على الأقل عن الفشل ناجحًا!

المقال في مجلة المعرفة

التعليم الإلكتروني المتكيف: استجابة لاحتياجات الطلبة المختلفة

$
0
0

جدة – وفاء بابصيلm1

تختلف مستويات الطلبة في الصف الواحد الذين يدرسون ذات المنهج عن طريق ذات المعلّم, ويرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى اختلاف طرق تلقيهم للمعلومات. فما تبدو معلومة في غاية التعقيد لطالب ما يطالب المعلم بإعادة شرحها مرارا؛ تكون مجرد تكرار ممل لطالب آخر اكتمل استيعابه لها مسبقا. هذا الاختلاف يجعل مهمة المعلّم أصعب حتى في وجود الكفائة والخبرة. تتعاظم هذه المشكلة خاصة مع التطور التقني وثورة المعلومات التي أضافت للمعرفة البشرية الجمعية المزيد والمزيد من المعلومات بانتظار أن تستوعبها عقولنا البشرية التي لم تواجه هذا الكم الهائل منها من قبل. فهل يمكن لنا تسخير ذات التطورات التقنية العلمية لاكتشاف طرق أسرع واكثر كفائة للتعليم؟

نتيجة لهذه الحاجات المحلة، ظهر فرع جديد من علوم الحاسبات أصبح مجالا للعديد من الأبحاث التي تجري في أمريكا وأوروبا بشكل خاص. أطلق على هذا الفرع “التعليم المتكيف”. تعرفّنا على هذا المجال الدكتورة مرام عبد الرحمن مكَّاوي، باحثة في مجال التعليم الإلكتروني المتكيف، و حاصلة على الدكتوراة في علوم الحاسبات من جامعة نوتنجهام-انجلترا. تشاركنا برأيها بداية حول التعليم الإلكتروني حيث تعتقد أن السبب في ظهوره بشكل خاص كان استجابة للتغيرات الاجتماعية والثقافية في عصر العولمة. فالحواجز التي أزالتها شبكة الإنترنت، فتحت للمرء آفاقاً جديدة ومكنته من الوصول إلى مصادر مختلفة للمعرفة وهو جالس في بيته أو مكتبه. وأصبح بإمكانه إلى حد كبير التغلب على العوائق المحلية، مثل نقص المصادر العلمية، أو قلة المتاح منها للجمهور، أو صعوبة التنقل، أو عدم وجود عدد كافٍ من المقاعد الجامعية. كما أنه بالنسبة للعاملين بدوام كامل، أعطتهم الفرصة لكي يواصلوا تطوير قدراتهم وهم على رأس العمل، وهو أمر ضروري في عصر التطورات المتلاحقة. إذ إن كثيراً مما تعلمناه في المدرسة والجامعة، سيصبح منتهي الصلاحية وبحاجة إلى تجديد في فترة قصيرة، خاصة في مجالات بعينها مثل تقنية المعلومات .

التعليم الإلكتروني وحده لايحل المشكلة
بعد ظهور التعليم الإلكتروني المتاح والمرن وكتطور طبيعي، برزت الحاجة لوجود أساليب تعليمية تتوافق مع احتياجات الفرد بشكل علمي مدروس. ومن هنا ظهر فرع التعليم الإلكتروني “المتكيف”. تشرح لنا د. مرام التعليم الإلكتروني المتكيف أو الـ Adaptive Educational Hypermedia)) فتقول: هو نوع من أنواع التعليم الإلكتروني الذي يتم من خلال اتصال الطالب والمعلم ببعضهما وبالمادة العلمية عبر شبكة الإنترنت، على أن يتم تكييف هذه العملية التعليمية بحيث تكون مناسبة للطالبة ومصنعة خصيصاً له. فالطلبة مختلفون في مهاراتهم، ودرجات استيعابهم، وطرق تعلمهم، كما أن لديهم احتياجات متنوعة، ومعاملتهم وكأنهم نسخٌ مكررة من بعضهم البعض قد يؤدي إلى فشل العملية التعليمية، أو في أحسن الأحوال فإن التعليم من خلال الإنترنت وحده لن يكون مختلفاً عن نظيره في الصف. فهو يفتقر للقيمة المضافة التي تبرر استخدامها وتحمل تكاليفها.

لكل طالب، قالب
تشرح د. مرام عن طريقة تكييف التعليم الإلكتروني حيث يقوم النظام بعملية صنع قالب معين لكل طالب (User Modeling)، بحيث يحوي هذا القالب أو الملف معلومات بعينها عن الطالب، وهي عملية يمكن أن تجرى بشكل مباشر بحيث يتم سؤال الطالب عن خصائص معينة يقوم بإدخالها في النظام عن طريق تعبئة استبيان على سبيل المثال، أو غير مباشرة عن طريق الاستفادة من المعلومات التي يخزنها النظام عنه أثناء عمله عليه .وحين يختار هذا الطالب مادة ما ليدرسها عبر هذا النظام، فإنه قبل أن يستجيب النظام بإعطاء الطالب المادة العلمية، يقوم بالاطلاع على ملف الطالب، وآخر المستجدات والتطورات في مستواه التعليمي، وطريقته المفضلة في التعلم، وبعدها يقوم بتفصيل المحتوى أو الوصلات بما يتناسب واحتياجات هذا الطالب. يتم بعد ذلك تمييز المعلومات على ما يريده المعلم أو تتطلبه المادة لتصل بشكل أفضل إلى ذهن المتلقي. فهناك من يختار أن يكيف المادة على حسب مستوى الطالب مثلاً (مبتديء، متوسط، متقدم) أو ما يعرف بالمستوى المعرفي (level of knowledge). فيما يعتمد آخرون على نظريات عريقة في طرق التدريس وأساليب التعلم (Learning Styles). فحسب هذه النظريات هناك متعلم بصري (يتعلم بالصور والرسومات) وآخر لغوي (يتعلم أكثر بقراءة النصوص (visual-verbal)، أو متعلم عالمي بحيث يريد أن يأخذ فكرة عامة عن الموضوع كله ثم يبدأ في دراسة التفاصيل. أو آخر يفضل أن ينتقل من الدرس الاول إلى الثاني بالتسلسل أو ما يعرف بـ (global-sequential)، وهكذا.

مايزال المجال مفتوحا للأبحاث
تخبرنا د. مرام عن نتائج التجارب والأبحاث حول التعليم المتكيف فتقول أن الكثير من الجامعات في الدول المتقدمة -أوربا وأمريكا الشمالية واليابان تحديداً- والمهتمة بمجال التعليم الإلكتروني، تعمل على تطوير نظمها الخاصة التي تستخدمها في إجراء هذه التجارب التعليمية الجديدة داخل أسوار جامعاتها لتدريس مقرراتها إما لطلبتها المنتظمين أو المنتسبين. ينشرهؤلاء الباحثون نتائج دراساتهم بشكل دوري في المجلات العلمية المتخصصة. ينجح بعضها ربما بالفعل في تحويل هذه الأنظمة إلى منتجات تجارية تباع لغيرهم من المؤسسات التعليمية، لكن يظل هذا في نطاق ضيق مقارنة بما هو ممكن ومأمول، ودون مستوى التنافس مع الأنظمة الإلكترونية التقليدية (غير المتكيفة) حيث لازالت هناك بعض العوائق التقنية والتعليمية التي تؤخر من الاستفادة منه بشكل كامل. هذا بالإضافة إلى وجود معارضين داخل المؤسسات التعليمية لهذا النوع من التعليم خشية أن يمنح امتيازات لطالب دون آخر، أو لاقتناعهم بأن الطالب عليه أن يتكيف ليتعلم وليس العكس، وتظل الساحة العلمية مفتوحة للنقاشات المختلفة.

مجلة سيدتي: بطاقة مغرد

$
0
0

m2بطاقة جديدة نستضيف من خلالها أشهر المغردين والمغردات في موقع التواصل الاجتماعي :تويتر

وفاء بابصيل – جدة:

منذ متى وأنت تمارس التغريد عبر تويتر؟ منذ العام ٢٠٠٧

وكم وصل عدد متابعيك حتى الآن؟ يزيد عددهم عن ٣٤ ألف مغرد ومغردة

ما التعريف الذي تضعه لك في تويتر؟ أغيره من حين لآخر.. غالباً ما أذكر فيها نبذة عن تخصصي العلمي وعن احترافي للكتابة خاصة في صحيفة الوطن..لكن حالياً منذ بضعة أسابيع فقط كتبت ما يلي : ” قررت أن لا أصنف نفسي حتى إشعار آخر Maram..that’s me

ما القضايا التي تحرص على طرحها؟ لا يوجد شيء محدد..كل ما يجول بخاطري..لكن أحاول تجنب الخوض في الأمور الشخصية فتويتر فضاء عام.
محدودية الكلمات في تويتر هل تتناسب مع ثرثرة النساء أو جلسات الرجال؟ بصراحة لا مع هولاء ولا هولاء..لكن بعد خمس سنوات..أستطيع القول بأنني كامرأة تعلمت الاختصار في الكلام ولم تعد مشكلة كبيرة..وخير الكلام ما قل ودل

أبرز هاشتاغ تحرص على الكتابة به؟ لا أحب الكتابة في الهاشتقات أو الوسوم (بالعربية) إلا فيما ندر..لأنني أراها تقيدني وتسرق من حروفي!

مغرد/ مغردة تعجبكِ؟ كثيرون..كل من أخرج من تغريداته بمتعة أو فائدة..يصعب حصرهم

مغرد/ مغردة تضحكك؟ جهان أحمد Geena23@

متى تلجأ لاستخدام البلوك؟ عندما يتجاوز الشخص الأدب معي أو مع غيري..الاختلاف حق مكفول لكن الأخلاق خط أحمر لا أسمح بتجاوزه..أيضاً أولئك الذين يعتقدون أن تويتر غرفة دردشة للتعترفبينالجنسين!

ما التغيير الذي سيقوده تويتر على الوضع الاجتماعي؟ لا أعتقد أن تويتر يقود تغييراً من أي نوع..الناس هي من تصنع التغيير..تويتر أداة للتواصل والانتشار فحسب ويعود للمرء ومجتمعه كيفية استخدامها والاستفادة منها..لكن لنقل بأنه ساهم إلى حد كبير في التعريف ببعض القضايا وحشد نوع من الرفض أو التأييد بشأنها وذلك بجهود وحماسة المغردين

أجمل تغريدة عاطفية قرأتها ؟ ” عندما لايشعر بغيابنا أحد هذا يعني انه لم يشعر بحضورنا أحد ، الأولى تؤلم، والثانية تقتل” للمغرد مبارك الدوسري : mawdd3@

أهم تغريدة اجتماعية قرأتها ؟ كثيرة..لكن لم أجد أياً منها الآن للأسف في مفضلتي؟

أعلى ريتويت حصلت عليه ؟ ذاكرتي تقول ٥٠٠ لكن قد تكون الذاكرة معطوبة!

من حصل أعلى رقم تابعين حقيقيين برأيك ؟ حقيقة لست مهتمة كثيراً بهذا الموضوع..فليس من هواياتي بعد تجميع العصافير! لكن من الطبيعي أن يحصل المشاهير على أرض الواقع كالدعاة والإعلاميين والسياسيين والفنانين على متابعين كثر، ولا أستغرب وصول أعداد متابعيهم إلى الملايين.

رسالة توجهها للتويتريين؟ أربع وصايا:
التسويق الزائد للنفس ينتهي بك إلى ابتذالها..فأحذر المبالغة في الحديث عن نفسك
شارك مع الناس ما تحب أن يشاركوك به لتحقق المتعة به أو الفائدة منه
إعادة إرسال (ريتويت) لكل مديح يصلك دليل على استجداء إعجاب الآخرين ومؤشر على عدم الثقة بالنفس
لا تدع فقير الأخلاق يجذبك لمهاتراته..والحجب خير سلاح للتعامل معه!

خدمة التوظيف والتطوير المهني : تسخير التقنيات الرقمية والإعلام الاجتماعي

$
0
0

graduate مازالت التطورات التقنية المتسارعة التي جلبتها الشبكة العنكبوتية تدهش العالم وتدفع باتجاه إيجاد استخدامات أكثر فعالية لها، من أجل تسخيرها لخدمة البشرية وإيجاد حلول لمشكلاتها المزمنة، لا سيما مع بروز الإعلام الاجتماعي كقوة مؤثرة في نواح عديدة مثل السياسة والتعليم والتوعية ونقل الأخبار والعمل التطوعي وغيرها في السنوات الأخيرة.
ومن بين هذه المجالات التي باتت تسخر فيها هذه التقنيات الجديدة والشبكات الاجتماعية المتنوعة هو المجال العملي ومجالات التوظيف والتطوير، فهي تقدم وسطًا تفاعليًا يربط الطرفين: أرباب الأعمال وموظفي الموارد البشرية من ناحية والباحثين عن عمل من ناحية أخرى. ولعلها تساهم بذلك في إيجاد حلول لمشكلة البطالة، التي ليس من أسبابها فقط عدم توفر فرص العمل، أو عزوف الشباب عن وظائف بعينها، وإنما من أسبابها أيضًا، لدى أصحاب الشهادات العالية على وجه الخصوص، عدم معرفة الطالب والمطلوب بما هو متاح بالأصل خصوصًا في بلدان العالم الثالث، وهنا يأتي دور الإعلام التفاعلي والشبكات الاجتماعية.
الشركات تستخدم الشبكات الاجتماعية في التوظيف
شركة جوبفايت (Jobvite)
هي شركة أمريكية متخصصة في تقديم حلول تقنية متقدمة للتوظيف عبر استخدام الويب الاجتماعي (Social Web)، وهي بالتالي مهتمة بإجراء دراسات دورية عن مدى استخدام الشركات الأمريكية حاليًا figure1لأدوات الإعلام التفاعلي في التوظيف، وتنشر هذه النتائج في تقارير سنوية.
في تقريرها الأخير (يوليو 2012) توصلت إلى أن نسبة الشركات محل الدراسة التي تستخدم الإعلام الاجتماعي في التوظيف أو لديها خطط جدية لاستخدامه قد ارتفعت من 82% قبل عامين إلى 92% هذا العام. وقد نجحت 73% منها في الحصول على موظفين جدد عبر هذه الوسائل، خاصة أن 71% من موظفي الموارد البشرية في هذه الشركات يعتبرون أنفسهم متقنين إلى حد احترافي أو مرض استخدام هذه الأدوات، وبالتالي لا يجدون صعوبة في تسخيرها للحصول على أفضل الموظفين المهرة المتوافرين في السوق. كما يؤكد 49% منهم أن نوعية المتقدمين الذين تم التواصل معهم عبر أدوات الإعلام الاجتماعي شهدت تحسنًا ملحوظًا، فهم مهتمون بالكيف قبل الكم. وقد شمل الاستبيان الأخير أيضًا أسئلة عن ماهية الأدوات والمواقع المستخدمة تحديدًا، وكذلك أسئلة أخرى عن الانطباعات التي يتركها الأشخاص عبر وجودهم الشبكي على صاحب العمل.
فإذا ما عرفنا إذن أن هناك من يبحث عن موظفين عبر الشبكات الاجتماعية والمواقع التفاعلية وغيرها، فما هي أهم هذه المواقع بالنسبة للشخص الباحث عن عمل سواء في الوقت الراهن أو مستقبلًا؟
أظهر التقرير ذاته في العام الماضي أن أهم هذه الشركات على الترتيب هي: لنكد-إن (Linkedin)، فيسبوك، تويتر، يوتيوب، المدونات، وتكرر الأمر في تقرير هذاfigure2 العام حيث أشار بشكل رئيسي إلى ثلاث مواقع بالترتيب حيث حصد موقع لنكد-إن المركز الأول (93%) ثم فيسبوك (66%) وأخيرًا تويتر في المركز الثالث (54%). وسوف يتناول هذا المقال هذه المواقع تباعًا مع إضافة مواقع أخرى مهمة،منها موقع قد يكون غاب من القائمة السابقة لكون الاستبيان أُجري على الشركات، في حين أنه متعلق بالعالم الأكاديمي والبحثي وهو موقع أكاديميا (Academia).

لنكد-إن : (Linkedin)
شبكة لنكد-إن (http://www.linkedin.com/ ) هي الأكثر استخدامًا في عالم الأعمال والتوظيف والأقل شهرة بين القراء مقارنة بالفيسبوك وتويتر ويوتيوب،فهي شبكة للتواصل الاجتماعي المتخصص: المهني أو العملي (Professional) وتتخصص بشكل رئيسي في عرض السير الذاتية للمشتركين، ولديها أكثر من 161 مليون مشترك في 200 دولة بأكثر من17 لغة، ليس من بينها للأسف العربية، وأتوقع بأن سبب ذلك لأن بيئة الأعمال والتوظيف العربية تجبر المرء على أن يتعامل معها قسرًا بغير لغته الأم، بينما لا تعاني الشركات الفرنسية والصينية والروسية واليابانية والكورية من عقد النفس المفرطة هذه.
وستتمكن من خلال حسابك في هذه الشبكة من بناء هويتك العملية، حيث تقدم نفسك للعالم بناء على شهاداتك وخبراتك ومهاراتك العملية،مما قد يساعدك في الحصول على فرصة وظيفية، ويمكنك من التواصل مع الآخرين في نفس التخصص أو الاهتمامات العملية، ويسهل لك الحصول على معلومات قيمة متعلقة بمجال العمل، ومعرفة آخر المستجدات وفرص التدريب والتوظيف من خلال الانضمام للمجموعات المختلفة. كما سيمكنك حسابك أيضًا على بناء شبكة محددة (صغيرة أو كبيرة) من المعارف الذين يمكن الاستفادة منهم ومن خبراتهم والعكس صحيح، فالنقطة الأهم هنا ليست قوة العلاقة، فليس بالضرورة أن يكون أصدقاؤك في هذه القائمة كما هي الحال في الفيسبوك، وإنما الاشخاص الذين تعتقد بأنهم مهمين لك الآن أو في المستقبل في الجانب العملي من حياتك.

أكاديميا: (Academia.edu)
الموقع الثاني هو أكاديميا (http://academia.edu/ )، ولديه أكثر من أكثر من 1.2 مليون مشترك، وهو يشبه في فكرته العامة الموقع السابق، ولكن يختلف عنه بأمرين جوهريين: هو أنه مخصص للجانب العلمي والبحثي وليس لمجال الأعمال، وبالتالي تجد أن أكثر مشتركيه من الأكاديميين والتربويين والباحثين وطلبة الدكتوراه، كما أنه مجاني تمامًا في حين أن لنكد-إن لديه مستويان من العضوية أحدهما مجاني والآخر باشتراك مدفوع. ويستفاد من هذا الموقع في مشاركة الأبحاث بين الأعضاء ومعظمهم من الأكاديميين وتتبع الإحصائيات المتعلقة بهذه الأبحاث وتأثيراتها على محيطهم العلمي، وبالتالي ستتمكن من متابعة باحثين في مجالك، وتحليلات عن أوراقك العلمية التي تنشرها هنا وعن زوار صفحتك، وستقرأ أوراقًا علمية لباحثين آخرين وتتبادل معهم الآراء بشأنها. كما ستُعرض لك بعض الفرص البحثية أو الأكاديمية التي ينشرها الأعضاء وفيهم المعيد والمحاضر والدكتور وعميد الكلية وربما حتى مديري الجامعات.

فيسبوك (Facebook)
يمكن استخدام موقع فيسبوك الشهير أيضًا لأغراض أخرى غير التواصل مع الأصدقاء، ومنها المجال العملي، وذلك من خلال عمل إعجاب وتتبع لصفحات الشركات المعروفة حيث تضع إعلانات دائمة أو مؤقتة لوظائفها أو مناسباتها.كما يمكنك تخصيص حساب مستقل للجانب العملي أو المهني بحيث يكون رسميًا، ويستخدم لعرض السيرة الذاتية، ويفترض في مثل هذا الحساب الرسمي أن يحوي عددًا قليلًا من الصور والتطبيقات، وأن يتم اختيار قائمة الأصدقاء لهذا الحساب بعناية كما ذكرنا بالنسبة لموقع لنكد-إن.
وللأشخاص الذين يمارسون أعمالًا حرة،مثل الكُتاب والمصممين والفنانين ومطوري مواقع الإنترنت والمصورين، أو لديهم شركات متوسطة أو صغيرة الحجم، مثل صنع الحلويات، وتنسيق الأفراح والمناسبات, والديكور المنزلي، والأعمال العقارية، وخدمات التوصيل، فمن المهم جدًا لهؤلاء أن يكون لهم وجود على الفيسبوك عبر صفحات شخصية توضح نوع النشاط الذي يمارسونه وتروج له عبر هذه الشبكات الاجتماعية الحيوية، بالإضافة إلى موقع الشركة أو الموقع الشخصي إن كانوا يملكون واحدًا. ففي هذه الأيام إن لم يكن نشاطك التجاري موجودًا على الإنترنت فهذا يعني أنه ليس موجودًا بالأساس بالنسبة للكثيرين ممن يعتمدون على الإنترنت بشكل كلي وليس لهم علاقة من قريب ولا بعيد بدليل التليفونات الأصفر طيب الذكر. وإذا كان نشاطك موجودًا على الإنترنت ولكن ليس على الفيسبوك فهذا يعني أنه غير موجود بالنسبة لجيل كامل يعتبر الفيسبوك محركه البحثي الخاص لكل ما يريده!

تويتر (Twitter)
أما موقع تويتر الذي بات حديث العصر والمجالس، والذي يستخدم أحيانًا للإساءة للآخرين، فهناك استخدامات أخرى نافعة له وخاصة في مجال التوظيف. إذ يمكن استخدام بعض تطبيقات توتير الخاصة بالبحث عن وظائف (مثل:TwitJobSearch.com) وهي تسمح لك بالقيام ببحث مخصص عن التغريدات (المشاركات) التي تحوي إعلانات وظيفية في المجال الذي تحدده أنت عبر سؤال البحث، وستدهش حين ترى النتيجة التي تحوي هذا العدد الكبير من الإعلانات الوظيفية حول العالم.
ويمكن الاستفادة من تويتر بطريقة أخرى بحيث تجعل نفسك متاحًا ليتمكن الآخرون من إيجادك، وذلك عبر وضع سيرة ذاتية مختصرة وواضحة في المكان المخصص للتعريف Bio مع روابط لصفحتك الشخصية إن وجدت، واستخدام صورة شخصية مناسبة وتدل عليك أو على ما تقوم به أو في أسوأ الأحوال لا تسيء إليك.
كما من المهم للباحثين عن أعمال داخلية أو خارجية في شركات بعينها متابعة حسابات هذه الشركات العالمية التي لها فروع في مناطق مختلفة من العالم ومنها منطقتنا مثل شركة غوغل التي لديها حساب خاص للإعلان عن الوظائف المتاحة عبر توتير وهو وظائف غوغل: (@googlejobs).
ومتابعة المتخصصين في الموارد البشرية أو المحترفين في تخصصات محددة له على تويتر كذلك له فوائد إيجابية، فهؤلاء يعلنون عن فرص تدريبية أو توظيفية من فترة لأخرى، ويتحدثون عن آخر التطورات في هذا المجال.
ومن الأمثلة المحلية العربية الحية عن استفادة البعض من تويتر في التوظيف حصول شاب سعودي على وظيفية في غوغل دبي عبر إعلان في تويتر، كما حصل شاب كويتي على فرصة للظهور التلفزيوني عبر الموقع نفسه، إذ كانت البداية لوظيفة عرضت عليه لاحقًا وهي العمل كمذيع في إحدى القنوات الفضائية.

يوتيوب (YouTube)
أما منجم الفيديوهات في عصرنا فهو لن يكون إلا موقع اليوتيوب، ولدينا أمثلة حية على برامج هواة قدموها عبر الموقع ما لبثت أن تطورت إلى أعمال تدر ربحًا ماديًا، إذ وجدت لها رعاة رسميين مثل STC. وعلى الموقع ذاته أيضًا ثمة شركات أخرى تبدأ تبني بعض هذه المواهب وتدعمها.
آخرون، وجدوا طرقًا أخرى لاستغلال هذا الموقع المتميز، فالبعض قام بتسجيل سيرة ذاتية له بالفيديو، فهناك من يكمن سر تميزهم في قوة حضورهم وتأثير شخصيتهم، وهي أمور يرون أنها لا تظهر بالشكل الذي يرغبون به على الورق! وبعض البرامج التلفزيونية الشهيرة التي يريد الآلاف الاشتراك فيها تشترط هذا النوع من السير الذاتية على اعتبار أن الصورة تغني عن ألف كلمة. وأهم ما يجب توفره في مثل هذا الفيديو: الإبداع والأصالة والتكامل.
وهناك تجربة أخرى مميزة لنشر المقالات عبر الفيديو، فهناك شاب أمريكي قرأ عن مسابقة للكتابة في مجلة علمية بحيث يتم تبسيطها للطلبة، ولما كان يكره الكتابة فقد قام بتقديم شرح بصري للموضوع عبر اليوتيوب وأرسله للمجلة التي أعجبت به بدورها، ووظفته ليقوم بكتابة/تصوير هذه المقالات عبر موقعهم الإلكتروني.
الكثير من الشباب العربي يقومون بدور مهم في عرض المنتجات الإلكترونية الجديدة وبيان مميزاتها وعيوبها وتقديم حلول لمشكلاتها عبر اليوتيوب أيضًا، ولوكنتُ مكان الوكلاء في بلادنا لوظفت هؤلاء الشباب الهاوي، ولو بدوام جزئي في خدمة العملاء بدل من تضييع المال والوقت والجهد في تدريب موظفين جدد من الصفر قد يفتقد كثير منهم روح الحماسة الموجودة لدى هؤلاء الهواة.

like_dislikeمخاطر الوجود على الشبكات الاجتماعية
كما أن الوجود على هذه الشبكات الاجتماعية وعلى الإنترنت عمومًا، له ميزاته وقد يساعد على فتح أبواب رزق وفرص عمل وتطوير، فإنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون له تأثير معاكس تمامًا، فالقضية ليست فقط تسجيل حضور وإنما كيف يكون هذا الحضور؟
فتقرير جوبفايت آنف الذكر يذكر بأن 86% من الشركات التي تم إجراء المسح عليها، أقرت أنها تطَّلع على الملفات الشخصية الاجتماعية للمتقدمين لها (بالوسائل التقليدية وغيرها) المتوفرة على الشبكة، وأنهم يقومون دائمًا أو أحيانًا بعملية بحث عن الشخص عبر محرك غوغل،في حين أقر 48% منهم أن هذا جزء دائم من عملية التوظيف. فالبصمات الإلكترونية التي يتركها الشخص على الشبكة قد تستخدم ضده فهي ربما غير قابلة للإزالة بشكل كلي.

فما هي الممارسات التي قد تؤثر سلبًا على فرص المتقدم؟
العبارات العنصرية والشتائم, ونمط الحياة والسلوكيات الاجتماعية غير المقبولة، لا سيما التي تظهر من خلال الصور الشخصية والعائلية ومع الأصدقاء. أيضًا يذكر تقرير جوبفايت بأن الأخطاء الإملائية الواضحة والقاتلة من الأمور التي تترك أثرًا سلبيًا بالغًا، بالإضافة إلى المبالغة في التعبير عن الآراء الدينية أو السياسية، إذ توحي أن المرء لديه ميول تعصبية أو تطرفية حتى ولو كانت مجرد أفكار وآراء. في حين أن انضمام المرء لمجموعات علمية أو فكرية أو عملية محترمة، وكذلك القيام بالأعمال التطوعية يتركان في المقابل تأثيرًا بالغ الإيجابية.
وللتدليل على ذلك: أشخاص فصلوا من أعمالهم بسبب نشاطاتهم على توتير حيث يذكر موقع (Mashable Social Media) المتخصص بالشبكات الاجتماعية عشرة أمثلة شهيرة بهذا الخصوص سنذكر بعضها هنا. فهناك مثلًا المعلمة الأمريكية التي اضطرت لتقديم الاستقالة بسبب صور غير لائقة وممارسات تنم عن لا مسؤولية على صفحتها في الفيسبوك. كما اضطر سياسي من نيويورك للاستقالة من منصبه بعد أن قام موقع بنشر صور شبه عارية له والتي أرسلها – هذا الرجل الناضج المتزوج -كرسائل إلكترونية خاصة لامرأة على موقع أمريكي شهير. وهو ما تورط فيه سياسي أمريكي آخر وعضو في مجلس النواب بشكل أكثر إحراجًا على موقع تويتر، فقد قام بإرسال صور مماثلة لإحدى المتابعات على حسابها العام بدلًامن الرسائل الخاصة بالخطأ، مما اضطره للاستقالة بعد أربع ساعات فقط من انتشار الفضيحة. قصة أخرى محزنة بعض الشيء لشابة حصلت على فرصة للعمل في شركة سيسكو التقنية الشهيرة ولسعادتها بالعرض الجديد ذكرته على تويتر، والمشكلة أنها ذكرت في التغريدة نفسها بأنه من أجل الراتب الجيد لهذه الوظيفة الجديدة فهي ستضطر لتحمل مشاق بعد المكان عن مدينتها وكذلك ممارسة هذا العمل الذي تكرهه! موظف في الشركة قرأ التغريدة مصادفة ومررها لمدير التوظيف وانتهت أيام الشابة في سيسكو قبل حتى أن تبدأ.
فهناك إذًا نقاط لا بد من مراعاتها عند إعداد الحساب على أي من مواقع الشبكات الاجتماعية، ففي موقع مثل الفيسبوك، لا بد من مراعاة إعدادات الخصوصية بين الحساب الخاص بالأسرة والأصدقاء والآخر العام المتاح للجميع وانتقاء من يضاف في أي من الحسابين بعناية فالثقة الزائدة بالآخرين غير مطلوبة هنا.كما عليك معرفة بأن كل ما تضعه على هذه الشبكات قد خرج من سلطتك للآخرين سواء كانوا أصدقاء أم أجانب أم أعداء، ينطبق هذا الأمر على الصور كما على الكلام،فلا بد من التدقيق بشدة في اختيار صورة لائقة للحساب، وهو أمر كثير ما يغفل الناس عنه لاسيما المراهقين والمراهقات فقد يدفعون ثمن هذه الصور لاحقًا حين يريدون التقديم على كلية مرموقة أو وظيفة هامة.فالأفضل للصورة إما تكون صورة شخصية حقيقية، أو أخرى رمزية مناسبة. كما علينا أن نزن بدقة كل الكلام الذي نتفوه به كتابة على هذه الشبكات الاجتماعية وفي الإنترنت عمومًا ما دمنا نستخدم أسماءنا الحقيقية، فكل ما يوضع في هذا الفضاء الافتراضي سيبقى حجة علينا، لا نستطيع إنكاره ولا التخلص منه.
التقنية إذًا كما عرضنا في هذا المقال يمكن أن تفتح أمامنا أبوابًا جديدة وغير مسبوقة للرزق، ويمكنها في الوقت نفسه أن تساهم، إذا لم نكن نتمتع بالوعي الكافي وقت استخدامها، أن تجلب لنا مشكلات حقيقية في مجال عملنا أو تحرمنا من فرص وظيفية هامة، وهذا الوعي مسؤوليتنا نحن كبالغين بالدرجة الأولى، وكذلك مسؤولية أولياء الأمور والمعلمين والمربين لتوعية الأجيال الأصغر سنًا حتى يتجنبوا مثل هذه المشكلات مستقبلًا.

المراجع:

1- http://recruiting.jobvite.com/

2-http://recruiting.jobvite.com/resources/social-recruiting-survey.php:Social Recruiting Report.

3- أمنك الشخصي على المواقع الاجتماعية
لسانك حصانك إلكترونيًا، مرام عبدالرحمن مكاوي – مجلة القافلة (يناير- فبراير 2009)

4- http://mashable.com/2011/06/16/weinergate-social-media-job-loss/#17033Today-Show-Jokester

المقال في مجلة المعرفة


سعوديون بلا أوراق: تحقيق

$
0
0

لطالما طرح الشعراء والأدباء والفلاسفة وحتى معلمي اللغة العربية السؤال التالي: ما هو الوطن؟ كيف نعرفه أو نحصره؟ هل هو رقعة جغرافية ولدنا فيها؟ أم أوراق ثبوتية ورثناها عن آبائنا؟ أم أشخاص ننتمي إليهم ونحس بالراحة لوجودنا بينهم؟ هل تكمن الوطنية في ثقافة ألفناها أم على أرض قدر الله رزقنا فيها؟ أسئلة عديدة وأجوبة أكثر منذ بدء تكون الأوطان وستستمر حتى نهاية الزمان. وقد لا يحتاج معظمنا أن يشغل باله بهذه الأسئلة والتعريفات إلا إن أراد ذلك، إلا أن هناك ثمة آخرين عليهم أن يطرحوا هذه الأسئلة على أنفسهم صباح مساء، لأن وضعهم المعقد ومستقبلهم المجهول لا يبقيان أمامهما خيارات كثيرة. هؤلاء أشخاص شاء الله تعالى أن يولدوا أو يقيموا لسنوات طويلة خارج الأوطان التي تربطهم أوراقهم بها..فقلبهم وأهلهم وحياتهم ومعيشتهم في وطن في حين أن جواز سفرهم ينتمي لدولة قد لا يعرف بعضهم أين تقع تحديداً أو لأخرى اختفت من خريطة العالم الجديد وانضوت تحت لواء دولة أخرى لا تعترف بهم.

هؤلاء هم السعوديون قلباً وقالباً وفكراً وولادة ونشأة وتعليماً -بل وأماً في بعض الأحيان- ولكنهم بدون أوراق تثبت هذه الحقيقة, هم السعوديون الذين يتكلمون بلهجة مكة أو المدينة أو حائل أو الرياض أو جازان ويدينون بديانة الإسلام..هن زميلاتنا اللاتي درسنا معهم في مدارسنا الحكومية وسابقاً في جامعاتنا ولم نعرف أنهن مختلفات عنا إلا حين كانت تأتي وكيلة المدرس وتطلب من “الأجنبيات” الوقوف لإحصائهن، فيقفن والوجوه تعلوها حمرة الخجل..الخجل من عدم القدرة على الانتماء رسمياً لهذا الوطن وإن انتمين له فعلياً.
الأشد إيلاماً في قصص هؤلاء أن بعضهم ضاقت عليه الدنيا حتى وسط العائلة نفسها، فهو الأجنبي الوحيد بينهم، أسر يربطها الدم وتفرقها الجنسية والتي تحول من زواج ابن العم بابنة عمه رغم التقاليد العربية العريقة.
تخيل أن تكون كفيل أبيك؟ أو أن تكون الأجنبي الوحيد بين إخوتك؟ أو لا تستطيع الزواج أو العمل في بلدك؟ أو أن تعيش كل لحظة رعب الترحيل من وطنك إلى المجهول؟ في هذا التحقيق نحاور هؤلاء الحائرين وندعهم يرون لنا قصصهم الفريدة.

• خمسون عاماً..ولازلنا أجانب:
تروي (ف.ن) قصة عائلتها بالكثير من المرارة وتقول: والدي حفظه الله أحد الذين عاشوا دهراً طويلاً في هذا البلد الكريم، دخل لمملكة وعمره تقريباً (13 عاماً ) ويحمل الجنسية اليمنية .. والآن عمره (65 عاماً) ما عاش قط خارج مكة المكرمة منذُ دخوله إليها, ونحتفظ بأول جواز سفر له يثبت تاريخ دخوله للمملكة أعتقد كان ذلك أيام حكم الملك سعود رحمه الله أو في نهاية حكمه ..وبقية عائلتنا ” الكبيرة ” من الخالات والأقارب والأرحام كُلهم سعوديين .
ليست المشكلة في منحنا الجنسية … المشكلة في كونكِ كبرتي وتجذّر في نفسك انتماءك لبلد لا تعرفين سواه
ولكنه لا يعترف بكِ في الواقع .. وأنت مجرّد ” وافدة ” وإن طال أمدك فيه .. لا يوجد قانون يحميكِ من الخروج منه في أي لحظة رغب فيها ” الكفيل بإقامتك ” إنهاء علاقتك به حتى وبدون أسباب !
ومن جهة , أوراقك الرسمية لا تعترف بهذا الانتماء المعنوي … وبالمقابل أنتِ كإنسانة لا تعترفين أو بتعبيرٍ أدق ا تشعرين بأي انتماء لبلد تقول أوراقك الرسمية أنك تنتمين إليه !
فلا البلد الذي عشتِ فيه يعترف بكِ .. ولا البلد الذي تنتمين إليه تعرفيه , حالة من الشتات النفسي
تورث ضياع حقوق انسانية كثيرة لم نحظى بها , كحق التعليم الجامعي مثلاً ..وقد حاولنا عدّة مرات أن نخاطب الجهات المعنية للنظر في وضعنا .. حتى يئسنا , والحمد لله على كل حال .
• الأصل تركستاني والقلب سعودي والجواز تايواني!
عبدالمحسن (27 عاماً) شاب سعودي الولادة والنشأة رغم جواز سفره التايواني! يقول بأنه “سعودي نمرة بدون استمارة” ويواصل الحديث عن مشكلته قائلاً : “من قصص المعاناة اني بدأت العمل في شركة رائدة في السعودية منذ ديسمبر 2009 و حتى اليوم، العجيب انني اصبحت موظفاً رسميا فقط في فبراير 2012 !أي ان سنوات الخدمة السابقة لا تحسب لي في شيء و لا حتى كشهادة خبرة.
من أصعب ما أعانيه حاليا هو موضوع زواجي، كوني سعودي التربية بجميع خصوصيات المجتمع فلا أريد الاقتران إلا بمن تكون لديها هذه الخصوصية..وكون ان جميع عائلتي سعوديون باستثناء أبي و أمي و معارفنا أيضا من السعوديين أكاد لا أجد إلا الارتباط بسعودية. و لكن للأسف كلما تقدمت إلى عائلة رفضت لهذا السبب جوهرياً و لكن ارد لأسباب واهية حتى لا تُجرح مشاعري.
ويشرح عبدالمحسن المزيد عن حكاية عائلته : ” أمي من مواليد المدينة المنورة و كذلك الوالد من مواليد الطائف، طبعا المضحك المبكي أن أمي غير سعودية بالرغم من أن أمها و أبوها سعوديين و جميع أشقائها سعوديين كذلك !
و الوالد أمه سعودية و جميع إخوانه سعوديين! وبالنسبة للجواز التايواني كانت مساعدة من تايوان أو الصين الوطنية للمشردين من الصين. تقدمنا للحصول على الجنسية السعودية ولكن المعاملة فقد حفظت لأكثر من مرة بحسب كلام الوالد. ويختم بقوله: فكرت في الهجرة الى كندا كثيراً، و لكني اتردد و اقول: “عشت في وطني غريباً فكيف سأعيش غريباً في بلد غريب !”

• أنا كفيل والدي!
هلال شاب سعودي ولادة ونشأة وجنسية، إلا أنه يحمل هم والده الطبيب المعروف والذي كان يعالج فقراء مكة بالمجان في عيادته بالإضافة إلى عمله في مستشفى الزاهر بمكة قبل أن يتقاعد ويُطلب منه الرحيل إلى “سمرقند!” ثم شفعة له جنسية ابنه فهو نجى من الترحيل كونه باقياً بمسمى “مرافق” لابنه. يحكي هلال حكاية والده التي تتداخل فيها السياسة بالتاريخ:
“أيام الغزو السوفيتي لبلاد اوزبكستان كان جدي من الذين هربوا بدينهم وأهلهم وما استطاع من ماله من مسقط رأسه وهي مدينة سمرقند. فهرب الى مدينة مزار شريف في أفغانستان حيث ولد بعض أبناءه هناك ومن ضمنهم آخر العناقيد وهو والدي جلال الدين. وقد كان جدي من كبار التجار حتى يقال أنه أول من امتلك دراجة نارية في مزار شريف!

الأوضاع في أفغانستان لم تكن جيدة أيضا وكانت النفوس تهفو الى الحرمين، فكان أهله يقدمون الى مكة في الحج ثم يستوطنون البلاد وكان الوالد ممن نزح بعد وفاة والده مع والدته إلى مكة وكان في السابعة من العمر حينها، علما بأن تاريخ ميلاد الوالد 1947.

درس الوالد الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مكة المكرمة وتخرج بامتياز وكان السابع على مستوى المملكة في الثانوية العامة. ولا يذكر الوالد سبب تعلقه بالطب والذي لم يكن موجوداً بالسعودية حينها ورفض عرض وزير التعليم حينها في تخصصات الهندسة حسب ما ذكر لي الوالد.درس الوالد الطب في تركيا قاطعا إقامته حيث لا يستوعب المرء آثار ذلك نظاميا، وقد يكون هذا من أهم اسباب عرقلة حصوله على الجنسية كما قد سمعه من بعض الموظفين اثناء متابعة معاملته.

تزوج والدتي السعودية الجنسية اثناء دراسته وولدت أنا أكبر الأبناء في تلك الأثناء وقد عاد الوالد مقيما في مكة بعد تخرجه وعمل كطبيب عام في مستشفى الزاهر. تقدم الوالد بعدة معاملات ودائما يصل الى طريق مغلقة، كضياع المعاملة، واستمرار التأجيل والمماطلة حتى هذه اللحظة. بعض الموظفين صرح له ناصحا ألا يتعب نفسه وأنه لن يحصل أبداً على الجنسية!”

• وعرفت أخيراً من أكون..أنا بدون!
تاله تروي قصتها بمرارة طافحة..هي ابنة جدة ولم تشفع أصولها الهاشمية ولا اسم عائلتها المكَّي العريق أن تحصل على الجنسية. تمسك تالة بخيوط قصتها فتقول: “عمري الان 30 سنه عرفت نفسي أنني يمنية أو أجنبية هكذا كان يلقبونني طوال السنوات التي درست فيها في المدراس الحكومية ..حيث كنت أشعر بالخجل عندما تنادي المراقبة في الصف الطالبات الأجنبيات أن يقفن حتى تحصى أعدادنا وتعرف إن كانت إقاماتنا مازلت ساريه أم لا، وقتها لم أكن أفهم شيئا سوى انني مختلفة كطفل معاق يسمع همسات الاخرين ونظراتهم التي توكد له اختلافه, كنت اسمع همسات صديقاتي : “معقوله لستِ سعودية؟
البعض يضحك والبعض يرتسم على وجهه الأسى فابتلع كل شيء واختلق الأعذار فجدتي تقول ان أصلنا من مكة البعض يصدق والبعض يقول لي الحقيقة صارخه المهم أنتِ في الأوراق يمنية, نعم أنا يمنية ولن أخجل هكذا أقنعت نفسي في المراحل المتقدمة من عمري, وما المشكلة ان أكون كذلك اليمن أصل العرب واستمر في اختلاق الأعذار والتبريرات, لكنني الان بعد 20 سنه عرفت من أكون فانا بدون هذه الحقيقة, كيف انتسب لأرض لا أعرفها ولا أعرف عنها شيئا ولا يسكنها أهلي واحبائي؟ كل ما يربطني بها هو جوازي الأزرق وإحساس غريب بوطن لا ينتمي لي ولا انتمي له ولم يقدم لي ولم اقدم له ..أحترمه وأحبه كأي بلد عربي لكن ليس الحلم وليس العشق ,,ليس الوطن ..
وعن حكاية مجيء عائلتها للسعودية:
“الوالد جاء للسعودية تقريباً 1384هـوالان لديه سبعه أبناء وبنات و 12 حفيداً، قدم أكثر من مره على الجنسية، أول مره كانت عن طريق والدته جدتي حيث كان كل أعمامي صغاراً وهي أرمله ووافق عليها ووقعها الملك فهد رحمه أول أيام حكمه وتوقفت لا أدري ما سبب ذلك ولكن أخبر والدي أنها حفظت، وبعدها قدم بعض أعمامي وحصلوا عليها من طريق الجنوب (شروره( لكن والدي لم يوفق، وكان يتحين الفرص للتقديم كل مره ولم تقبل أي معامله، حتى منع التجنيس وحدد بفئات معينة، وقد نصب عليه الكثير من المحتالين وأوهموه بقدرتهم على تجنيسه بدون فائدة”

• شهادة عليا في هندسة الطيران لم تفد في الحصول على الجنسية!
يبدأ أبو أسامة قصته معرفاً بنفسه : ” أنا من مواليد ميلادية 1965، أحمل شهادة ميلاد سعودية، أهلي قدموا من حضرموت للسعودية قبل ستة عقود. وأحمل بكالوريوس وماجستير هندسة جوية فضائية (ِaerospace engineering) من أمريكا وأعمل منذ 15 سنة في شركة أقمار صناعية في واحد من أعقد وأندر التخصصات الهندسية في العالم. بعد تخرجي من أمريكا عرضت علي وظيفة مغرية للعمل هناك مع شركة متخصصة في صناعة الطيران ولكنني فضلت العودة للعيش في السعودية التي أعتبرها وطني وتعتبرني “عمالة أجنبية”.

أربعة من إخوتي وأخواتي يحملون الجنسية السعودية، سمح لي نظام تملك العقار لغير السعوديين بشراء فيلا صغيرة أعيش فيها حالياً مع زوجتي اليمنية (أيضاً من مواليد السعودية) وأطفالي الخمسة.
ويذكر المهندس أمران يؤلمانه حينما يتعلق الأمر بالجنسية : “: عندما يطلب مني فحص إيدز عند كل عملية تجديد إقامة، وعندما يأتي أبنائي من المدرسة يبكون لأن بعض الطلاب يعيرونهم بأنهم أجانب!”.

• أردني الجواز..سعودي الهوى والمولد
محمد الحمد والذي أبدا عدم ممانعة في ذكر اسمه الكامل لعل ذلك يفرج عنه قضيته يحكي فيقول: ” أنا شاب أكملت ٢٨ عاماً في هذا البلد، وأخ لأربعة ذكور وخمسة إناث وجميعنا من مواليد هذا البلد الحبيب. كم تعلمنا وتربينا على خيرات هذا البلد من صحة وتعليم وأمن وأمان..فقد عانيت صغيراً من مرض السرطان والحمد لله شُفيت وتعافيت بفضل من الله ثم للجهود الصحية التي لقيتها في مستشفيي الشميسي بالرياض والمستشفى العسكري وكانت حادثة لا أكاد انساها والحمد لله اولا واخراً..قد اكتفي بتلك المرحلة العلاجية ولا أريد أي حقوق أريد فقط أن أمنح آلية تتيح لي أن أساهم بالعمل وتسخير طاقتي في بناء هذا البلد بعيداً عن تسلط الكفلاء والأنظمة التي نعاني منها مؤخراً ..فلا وطن أعرفه غير الوطن الذي ربيت فيه ولا أكاد أن ارى غيره لا أعرف أحدا هناك ولا أحمل ميولاً وطموحاً هناك فأبوي أمضيا خمسين عاماً في أرض الحرمين والدتي أيضاً من أم سعودية..يربطنا الولاء لبلد يطبق الشريعة ونحمل له كل الوفاء والولاء أين نذهب؟ ماذا نعمل؟
إن لم يكن لأجلنا بعد أن فقدنا فرصة التعليم المحلي وفرص العمل فليكن من أجل جيل لنا سيأتي..” وعن معاملة الجنسية يقول: ” المعاملة موجودة وتم تقديمها قبل ٣٥ سنة وعلقت بقرار:
“يستمر على نظام الاقامة لحين اصدار قرار وزراي يختص بالمقيمين. ومازلنا بالإنتظار!”

تعاني الدول المتقدمة وتلك التي تتوفر فيها ضمانات معيشية عالية وفرص عمل متعددة في أوربا وأمريكا الشمالية من تدفق الكثيرين لا سيما من دول العالم الثالث إليها كل عام بأنواع مختلفة من الفيز، منها ما هو تعليمي أو عملي أو علاجي أو لجوء وما إلى ذلك. ويمكث بعض هؤلاء مدة محددة في هذه البلدان قبل العودة إلى بلدانهم الأصلية، في حين يرغب آخرون في الاستقرار بشكل نهائي في بلد الوصول، وبالتالي يتقدمون بطلبات للحصول على الإقامة الدائمة وفي مرحلة لاحقة الجنسية. وسنلقي الضوء بشكل مختصر على قوانين الهجرة والجنسية في بلدين مهمين أحدهما في أوربا والآخر في أمريكا الشمالية.

• قوانين الجنسية في بريطانيا
حتى نهاية العام 1982 كان أي شخص يولد في المملكة المتحدة من حقه الحصول على الجنسية البريطانية حتى ألغت ذلك رئيسة الوزراء عن حزب المحافظين مارغرت ثاتشر ولم تعد هناك ميزة تفضيلية لمواليد البلد ابتداء من 1 يناير 1983 من ممن لا يحمل أحد الأبوين أو كلاهما الجنسية البريطانية إلا لمن كان أبواه حاصلين على الإقامة الدائمة وقت ولادته، فالجنسية تورث من الأب أو الأم (وفي حالات معينة من أحد الجدين) وإن ولد الطفل خارج الأراضي البريطانية، وحتى اليوم يحق لكل المولودين داخل حدود المملكة المتحدة قبل هذا التاريخ التقديم على الجواز البريطاني دون مشكلات. فالقانون لم يعمل به بأثر رجعي، وهذه من ميزات الدول المتقدمة.
الخطوة الأولى حالياً للحصول على جواز السفر البريطاني لغير البريطانيين هو الحصول على الإقامة الدائمة، ومن شروطها أن يسبقها إقامة نظامية لمدة أربع سنوات متتالية لغرض آخر غير الدراسة. أما من هو مرتبط/مرتبطة بمواطن أو مواطنة بريطانية فيحق له ذلك بعد عامين متتالين من الإقامة في المملكة المتحدة.

الخطوة الثانية هي الحصول الجنسية بعد إقامة (3 سنوات) أو (5 سنوات) ولكل الفئتين اشتراطاتهما والخاصة بكل حالة، ولكن بصفة عامة لابد أن يكون الفرد بالغاً (18 عاماً)، وأن يكون قد حمل الإقامة الدائمة لثلاث أو خمس سنوات، ولا يكون قد غادر البلاد لفترة تزيد عن 270 يوماً خلال ثلاث سنوات أو تزيد عن 450 يوماً خلال خمس سنوات ولا 90 يوماً خلال السنة الواحدة، وأن يكون قادراً على التحدث بالإنجليزية، وأن يتجاوز امتحان المواطنة الموحد.

• قوانين الجنسية في أمريكا
نظراً لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعد بلد مهاجرين فمن الطبيعي أن ينص قانونها على أن أي مولود يولد على أراضيها يحصل على جنسيتها وجواز سفرها دون استثناءات. أما الذين ولدوا خارجها فوضعهم مختلف وإن كان أحد الأبوين أمريكياً فهناك تفصيلات دقيقة ومختلفة بهذا الخصوص لا يسع المجال لها هنا، ولكن الخطوة الأولى لهؤلاء بصفة عامة هو الحصول على بطاقة الإقامة الدائمة والمعروفة بالغرين كارد.
أما طرق الحصول على هذه البطاقة السحرية والتي تخول صاحبها العمل والدراسة والإقامة بحرية في أرض الأحلام فمتعددة بعضها عائلي ( زوج، ابن، أرملة..الخ) وبعضها عملي (المراسلون) أو سياسي (المترجمين في أفغانستان والعراق مثلاً) وإنساني (ضحايا إعصار تاهيتي كمثال) وبعضها متعلق بعدد سنوات الإقامة.
وبعد الإقامة بخمس سنوات على الأقل وثلاث في حالة كان الزوج/ الزوجة مواطناً أمريكياً تأتي طلبات الجنسية ولا بد من اجتياز اختبار اللغة والجنسية أيضاً.

من المؤكد بأن كل دولة ذات سيادة من حقها أن تضع ما تشاء من شروط وقوانين متعلقة بالجنسية، وفي بلد له خصوصيته الدينية مثل السعودية فمن الطبيعي أن تكون هناك اشتراطات لا غبار عليها مثل الإسلام واللغة العربية، ومن حق الدولة أيضاً ان تحدد عدد سنوات أعلى للإقامة بسبب العدد الكبير لغير المواطنين فيها إذ يشكلون حالياً أكثر من ربع السكان، فلتكن عشر أو خمس عشرة سنة مثلاً، ولتسبقها أو تنوب عنها للبعض إقامة دائمة كما في بريطانيا أو بطاقة خضراء كما في أمريكا، ولكن لا بد من وجود قانون واضح وممكن التطبيق، يفيد الناس ويشل قدرات النصابين والمتلاعبين بقضية الجنسية لأغراض مادية دنيئة، وهو شكل هام من أشكال الفساد الذي يحاربه رائد الإصلاح في الوطن وهو خادم الحرمين الشريفين. كما أنه عند البت في كل حالة لا بد من أخذ أمور عدة في الاعتبار مثل وجود أقارب سعوديون من الدرجة الأولى، وتجاوز مدة الإقامة الخمس عشرة أو العشرين سنة, فشخص أمضى هذا العمر أو ضعفة كما عرفنا في القصص السابقة في بلد ما فكيف يُطلب منه الرحيل، خاصة إذا كان بعض أفراد عائلته: الأم أو الزوجة أو الابن أو الأخ من المواطنين؟ وكيف يمكن فصل العائلات عن بعضها بالقوة؟
لا يجب أن يعامل هذا السعودي في كل شيء إلا في جواز سفره كما يعامل الوافد الذي وصل بالأمس فيما يتعلق بالإقامة والفحوصات الطبية. وكذلك في قوانين الترحيل ..هذا البعبع المرعب لا يجب أن يستخدم ضد من دخل البلاد بإقامة نظامية منذ عشرات السنين كما يستخدم ضد خادمة هاربة من كفيلها أو معتمر تخلف بعد حج الماضي. ويؤخذ بالحسبان أيضاً حالة البلدان التي يرجع إليها هؤلاء المقيمون السعوديون: فهل تقبل جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة بأخذ رعايا الامبراطورية الروسية ما قبل ثورة البلاشفة في 1917 م أو الدويلات التي انفصلت عن الخلافة العثمانية؟ وهل يمكن والظروف هذه أن نعيد أحد هؤلاء الذين ولدوا ودرسوا وعملوا في السعودية إلى الصومال أو السودان أو اليمن أو العراق أو بورما أو سيكانج؟ حيث المجازر والحروب والمجاعات وانعدام الأمن؟
قد لا يستحق الجميع الجنسية السعودية، ولمعرفة ذلك لا بد من التعامل مع كل حالة على حدا، فهناك خيارات مثل اللجوء والإقامات الدائمة والإعفاءات من بعض قوانين واشتراطات الإقامة الحالية وأخيراً الجنسية، المهم أن يكون هناك نظام عادل يكفل للجميع حياة آمنة وعادلة ولائقة في بلد لم يعرفوا وطناً سواه.

تحقيق نشر في العدد (0) من صحيفة مكة  بتاريخ 17 رمضان 1433 هـ الموافق 5 أغسطس 2012م *

 

المرأة السعودية : بين المطالبات المشروعة والبطولات الوهمية

$
0
0

saudi_w1

أسوأ ما يمكن أن يحصل لقضية عادلة هو أن يتولى المرافعة عنها محامٍ فاشل، والأسوأ من ذلك أن يكون هذا المحامي خبيثاً أو متأمراً  أو في أحسن الأحوال عنيداً ومستهتراً. هنا ستخسر القضية من الجولة الأولى، لأن القاضي أو المحلفين قد تأثروا بسلوك المحامي، فصرفهم سوءه عن الحكم بعدالة وموضوعية على جوهر القضية محل النزاع، وهذا قد يكون الحال مع قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة.

لن ننكر بأن هناك شرائح غير قليلة من المجتمع تعتقد بأن المرأة من واجبها المكوث في البيت، وحتى تعليمها ناهيك عن عملها ليس مهماً، بل لعله من الأفضل بنظر هؤلاء أن تظل المرأة المحتاجة في بيتها تنتظر حسنة المحسنين على أن تخرج لكسب رزقها بالحلال، وبناء عليه فقضية القيادة بالنسبة لهذه الفئة محسومة بالرفض.

في المقابل هناك شريحة واسعة أخرى تعتقد بأن طروف الحياة المعاصرة قد أخرجت المراة من بيتها سلفاً، فهي الطالبة والمعلمة والطبيبة وموظفة البنك النسائي والعاملة، وبالتالي فإن توفير بدائل متنوعة للمواصلات من السماح بالقيادة، وتوفير مواصلات عامة آمنة ومريحة هو أمر بديهي طال انتظاره بلا مسوغ حقيقي إلى الرضوخ إلى الأصوات المتشددة في المجتمع. هذه الشريحة مع هذا الحق ولا تحتاج إلى مزيد من الإقناع، بل معظم من يرفعون الصوت بالمطالبات ينتمون لها.

وتبقى الشريحة الثالثة، والتي قد ينتمي لها عموم الناس وحتى بعض المسؤولين، هي تلك الحائرة بين القبول والرفض، فالمنطق يوحي لها بالقبول لما فيه من إقرار حق أولاً، وخدمة للمرأة العاملة وأسرتها ثانياً، وأيضاً فائدة عظمى للمرأة التي ليس لديها رجل يساعدها في تصريف شؤونها. لكنها في الوقت نفسه شريحة محافظة ، وتخشى أن يكون إقرار هذا الحق مدخلاً لفوضى أخلاقية غير محسوبة ولا معروفة نتائجها، وأن تكون هذه المطالبات ليست إلا غطاء خادعاً لجر مجتمعها المتدين المحافظ إلى الانفتاح بمعناه السيء. وهذه الفئة في غمرة حيرتها وقلقها، تبدأ بالنظر في أحوال من يحملون هذه الرايات، فماذا تجد؟

تجد في أحيان كثيرة للأسف سيدات لا يشبهن في شيء المرأة السعودية العادية التي قد نجدها في أي مدينة سعودية، مما يجعلهن يظهرن وكأنهن خارج السياق الوطني المحلي وكأنها غريبات مبتعثات من مجتمع آخر، وقد برعن في تصدر المشهد الإعلامي، لا سيما في السنوات الأخيرة مع الإعلام التفاعلي الرقمي وفي عصر العولمة، داخلياً وخارجياً، فلا يطرحن  هذه القضية من وجهة نظر إنسانية ومجتمعية مقنعة، مستندة على دراسات واحصائيات، ومطالبة باتخاذ خطوات محددة وسن قوانين معينة، ستؤدي في نهاية المطاف لجعل موضوع قيادة المرأة ليس فقط ممكناً قانونياً ونظامياً وإنما عملياً كذلك. فكيف يمكن إقرار قيادة المرأة دون إجراء تعديلات جذرية في تركيبة وأنظمة جهاز المرور مثلاً؟

بل يعمدن إلى خلط الموضوعات ببعضها البعض لا سيما عند الحديث للإعلام الخارجي، فما دخل قضية قيادة المرأة بالإرهاب؟ ولم تتحول بعض الحملات من الترويج لقضية القيادة إلى الترويج لشخص واحد أو عدة أشخاص، مما يحولها من قضية عامة ومطلب مشروع لقضية شخصية بحته؟

النتيجة أن كل الحملات تفشل، بينما جل المطالبات بها ينجحن في تحقيق الشهرة والانتشار.

وعامل آخر يجمع بين الكثير من هذه الحملات، التي تعرف بحملات المطالبة بالقيادة، هو تفننها في اختيار التوقيت السيء. فالحملة الأولى، على الرغم من أن من قامت بهن نساء من خيرة النساء المثقفات والمتعلمات في البلد آنذاك  إلا أن توقيتها السيء، في أوج زلزال الغزو العراقي للكويت، جعل من فرص نجاحها في نيل رضا الحكومة أو كسب تأييد الشعب شبه معدومة.  بل وجعلها تبدو وكأنها مسيرة من الخارج ومدفوعة من قبل الغرب الذي كانت جحافل أساطيله تزحف باتجاه الخليج.

الحملة الثانية، والتي اتخذت اسم (حقي كرامتي)، كان توقيها أيضاً سيئاً للغاية، فقد جاءت في وسط ما عرف آنذاك بالربيع العربي، والذي أسقط بعض الحكومات العربية الشمولية وراء بعضها كأحجار الدينمو، وما سببه ذلك من اختلال لموازين القوى والتحالفات في المنطقة والعالم، فكان يستحيل النظر إلى حملة القيادة داخلياً وخارجياً بمعزل عن هذه الأحداث الجارية، لا سيما وهي تستخدم نفس أدواته، فكان مصير تلك الحملة أيضاً الفشل الذريع.

الحملة الأخيرة، والتي عرفت بقيادة 26 أكتوبر 2013، هذه الحملة كان توقيتها بعد أيام قليلة نسبيا من انتهاء موسم الحج، الحدث الأكبر الذي تتجند له البلاد بكل قطاعاتها لاسيما الأمنية لإنجاحه وحفظ سلامة الوطن والحجيج لعدة أشهر سابقة ولاحقة، وصاحبتها دعوات للتظاهر. فكان من الطبيعي أن تصدر وزارة الداخلية بيانها الشهير، الذي يحذر النساء من الخروج في هذا اليوم تحديداً، حيث اختلط الحابل بالنابل، حيث لا يُعرف المنظمون بدقة، ولا يمكن التثبت من الأهداف الحقيقية.

ومن فشل هذه الحملات الثلاث، نستطيع القول بأن فكرة تخصيص يوم بعينه والدعوة للخروج في تجمعات، قد أثبتت عدم جدواها لحل هذه المشكلة بل وخطورتها أحياناً. فالخوف ليس فقط من التورط في مشكلة مع السلطات السعودية، وإنما أيضاً من الوقوع ضحية لأطراف من المعارضين، يقودهم فكر رجعي متخلف، يجعلهم يعتقدون بأن من حقهم الإساءة لنساء الوطن والاعتداء عليهن بكل الأشكال حماية للفضية ودفاعاً عن الدين!

وما الحل إذاً؟ وأكذب لو قلت إنني أعرف الجواب. لكن ما أعرفه أنه لا بد من مواصلة المطالبة عبر القنوات المشروعة مثلما فعلت الدكتورة لطيفة الشعلان في مجلس الشورى السعودي، وعبر وسائل الإعلام الرسمية منها والاجتماعية، وربما عبر القيام بفعل القيادة لمن تضطرها ظروف قاهرة، ولكن دون أن يكون ذلك ضمن حملة محددة، أو تجمع مشبوه.

إعطاء المرأة السعودية حقها في تقرير طريقتها في التنقل عبر السماح بقيادة السيارة مثلها مثل شيقها الرجل هو مطلب مشروع وستحصل عليه حتماً، وإنما عليها حتى لا يطول الانتظار أن لا تجعله بيد من تبحث عن الأضواء، وترغب في تسجيل اسمها عنوة في صفحات التاريخ.

* نشرت بتاريخ 1 محرم 1453هـ الموافق 4 نوفمبر 2013م (العدد التجريبي من صحيفة مكة).

الملابس المحوسبة قصص الخيال العلمي إذ تتحوَّل إلى حقيقة!

$
0
0

iron-man2في اعتداد الإنسان بنفسه، فإنه يتحدى الحواسيب والأجهزة الإلكترونية بفقدانها الإحساس، فالأجهزة لا تملك حواساً خمساً ولا تأثير لها. ذلك ما عُهد في السابق. د. مرام مكاوي تقدِّم لنا بحثاً عن الملابس المحوسبة كدماغ ثانٍ للإنسان يمثل حواساً إضافية تمنحه قدرات مذهلة.

الأطفال العرب الذين أدمنوا أفلام الكرتون المدبلجة في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، لا سيما من الجنس اللطيف، ربما سيتذكرون أحدها وهو «الزهرة الجميلة»، بطلته فتاة اسمها سوسن، كان لديها مرآة صغيرة مصممة كدبوس زينة على شكل وردة بيضاء، وما أن توجه سوسن هذه المرآة باتجاه زهرة ما، وتتمنى أمنية بأن تتغير ملابسها لتلائم احتياجاتها الحالية (سفر، حفلة، رياضة، تقلبات الطقس وهكذا) حتى نراها وقد اكتسبت ثيابها لون هذه الزهرة، ويتحول كل ما ترتديه إلى الصورة المطلوبة.

وكان حلم كل فتاة صغيرة آنذاك أن تحصل على مفتاح سوسن السحري، الذي سيعطيها هذا العدد اللانهائي من الملابس الجميلة بالمجان! وحين كبرنا قليلاً وفهمنا الفرق بين الحقيقة والخيال، أصابنا الإحباط لأننا عرفنا استحالة تحقق حلمنا، إلا أنه مع هذه التطورات التي أتت بها التكنولوجيا الحديثة، فإن هذه الأحلام ربما باتت قابلة للتحقق أكثر من أي وقت مضى.

تعددت الترجمات لمصطلح (Wearable Computing) في المصادر العربية على شحها، فتارة تعرف بالملابس المحوسبة، أو الملابس الحاسوبية، أو الملابس التقنية، وفي أحسن الأحوال الملابس الذكية، وصولاً إلى تعبير: الحوسبة التي يمكن ارتداؤها. وكلها تشير في النهاية إلى المنتج نفسه، أي إلى تقنية حاسوبية يميزها عن غيرها من الأجهزة الإلكترونية المكتبية والمحمولة أنها تتحد مع الإنسان بشكل أكثر حميمية، فحين يلبسها تغدو جزءاً لا يتجزأ منه، بشكل لا يتحقق مع أكثر الأجهزة الإلكترونية التصاقاً به في الوقت الراهن وهي الهواتف المحمولة، أو حتى مشغلات الملفات الصوتية مثل جهاز الآيبود الشهير من شركة أبل وأشباهه. وحين نتحدث عن كونه يرتديها، فهذا يشمل وجودها فوق أو تحت الجلد كما هو متوقع مستقبلاً.

يشكل ما سنطلق عليه من الآن فصاعداً الملابس المحوسبة نقطة تحول جذري فيما يعرف بتفاعل الإنسان مع الآلة (Human Computer Interaction) المعروف اختصاراً بـ HCI. ففي البداية كانت الحواسيب عبارة عن أجهزة ضخمة تسكن غرفاً كبيرة مستقلة لا يدخلها إلا المختصون، وشيئاً فشيئاً أخذ حجمها يصغر وقربها من الإنسان يزداد، فالحواسيب الشخصية حملت نفسها إلى مكاتب الناس ثم بيوتهم، والحواسيب المحمولة أخذت مكانها الدائم في تنقلاتهم، حتى جاءت الهواتف الذكية، التي باتت بحكم صغر حجمها وخفة وزنها وتطبيقاتها المتعددة، ترافق المرء في كل مكان وزمان بل وقد تشاركه حتى سريره!

أما الملبوسات الإلكترونية فهي ستجعل الحوسبة جزءاً لا يتجزأ من الإنسان نفسه، شيء لا ينفصل عنه، وتكون النتيجة تعزيز ما بات يعُرف بالذكاء الإنساني (Humanistic Intelligence) أو HI، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى التغذية المرتجعة (feedback) التي يستفيد منها الإنسان كنتيجة لوقعه ضمن حلقة من العمليات الحاسوبية، حين يتشابك الإنسان مع الآلة على نحو وثيق غير قابل للانفصام. فحتى الآن كانت HCI تتعامل مع الإنسان والآلة ككيانين منفصلين بعكس HI الذي يُعد الملابس المحوسبة كدماغ ثانٍ للإنسان، وكحواس إضافية تمنحه قدرات مذهلة، أي أنها حاسة سادسة، بل ولها تأثير إيجابي حتى على الحواس الخمس الأساسية بشكل أو بآخر. فبعض هذه الملابس ستمكنه من أن يرى أو يسمع أو يتذكر أو يؤدي وظيفة ما بشكل أفضل، لاسيما إذا كان الإنسان مصاباً بقصور في إحدى حواسه أو قدراته الذهنية والجسدية.

ولعل الأثر الأكبر الذي سيترتب على إطلاق بعض هذه الملابس مثل نظارة غوغل – التي سيتم الحديث عنها في جزء لاحق من هذا المقال- هو أن هذا المنحى الجديد من الحوسبة سيحرر المستخدم من قيود المكان والزمان، قيود الشاشات ولوحات المفاتيح، فمن خلالها ستتاح مستويات أعلى وأكثر مرونة من التفاعل والتواصل بين الإنسان والآلة، وذلك عن طريق استخدام التعليمات الصوتية وحركات الجسد وبعض عملياته الداخلية اللاإرادية، مثل حساب نبضات القلب وساعات النوم العميق وغيرهما، فيندمج العالمان الافتراضي والواقعي بشكل يسمح للمرء أن يؤدي أكثر من مهمة عملية واجتماعية وحياتية في الوقت نفسه، مما يفترض أن يرفع كفاءة الأداء ويؤدي إلى استغلال أمثل للوقت.

هناك عاملان مهمان يدفعان باتجاه تصميم وتبني حوسبة الملابس، أولهما، حاجة الناس للوصول إلى البيانات والمعلومات باستمرار، خاصة أثناء حركتهم وتنقلاتهم اليومية. ثانيهما، حاجة الناس الملحة لإدارة هذه البيانات المختلفة، بما في ذلك تخزينها واسترجاعها بكفاءة عالية في أي لحظة.

سيتناول هذا المقال ثلاثة أمثلة من أشهر الملابس المحوسبة، المعروفة التي دخلت سوق المستهلكين، أو ستدخله قريباً، قبل أن يفصل الآراء التي تدعم هذا التوجه نحو الملابس المحوسبة، والأخرى التي تعارضها كذلك.

نظام سيري (Siri) من أبل
iphone_siri_settings_modمع أن هذه الخدمة موجودة حالياً على أجهزة أبل المختلفة، وليست جزءاً من لباس بعينه يرتديه الإنسان، إلا أنها تذكر كثيراً حينما يأتي الحديث عن الحوسبة الملبوسة، باعتبارها الخطوة الأولى في تحرير المستخدم من قيود لوحة المفاتيح، وتقدم صورة جديدة في التعاطي بين الإنسان والآلة كما تقدم، وفكرتها في التواصل بينهما بأوامر اللغة المحكية، هي نفسها التي سنجدها مستقبلاً في أشهر تطبيقات الحوسبة الملبوسة مثل نظارة غوغل، ولذلك سنبدأ بها.

ابتداءً من الإصدار المعروف بـ (iPhone 4S) على نظام التشغيل (iOS) عرف مستخدمو جهاز الآيفون المحمول خدمة أو تطبيق سيري، قبل أن يصبح جزءاً أساسياً من برامج الجهاز في الإصدار (iPhone 5) ومايليه، وكذلك على أجهزة الآيباد. سيري عبارة عن مساعد شخصي، يعمل بالاستجابة للأوامر الصوتية باللغة الطبيعية المحكية وليس باللغات البرمجية، فيجيب عن الأسئلة، ويقدِّم اقتراحات بشأن أماكن التسلية والتسوق، ويقدِّم خدمة الملاحة للوصول إلى الوجهة المعينة، كما يتولى أمر مهام بعينها عن طريق الاتصال بخدمات الويب (web services)، ويفترض بمرور الوقت مع الاستخدام المستمر أن يتكيف مع احتياجات صاحبه وطلباته، بحيث تصبح التوصيات والخدمات أكثر تخصيصاً، ومراعاة لما يفضله.

واختلف الناس في تقبلهم لـ«سيري» منذ ظهوره على الساحة في العام 2011، وإن كان سوقه راج أكثر في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية بطبيعة الحال، مع بعض الانتقادات التي وجهت له حتى من بعض الناطقين بها كلغة أم، من كون النظام لا يستجيب إلى لهجتهم وطريقة نطقهم للكلمات. وقد حاولت النسخ الأحدث من سيري تلافي هذه المشكلة، فهناك دعم لتسع لغات حالياً (ليس من بينها العربية)، وكذلك دعم للهجات المختلفة في اللغة نفسها، فمثلاً هناك أربع لهجات مدعومة للغة الإنجليزية: الأمريكية، والكندية، والبريطانية، والأسترالية. إلا أن سيري كان له صدى جيد لدى المنظمة الوطنية للمكفوفين في أمريكا، فبهذه الخدمة غدا الآيفون، الجهاز الأكثر ملاءمة للاستخدام من قبل هؤلاء المكفوفين، بحيث يتحكمون فيه بوساطة أصواتهم فحسب. وفي أواخر العام 2012 أطلق محرك البحث الشهير غوغل خدمة البحث الصوتي الخاصة بأنظمة أبل وأندرويد وكذلك لمتصفحات كروم (Chrome) على الحواسيب المكتبية والمحمولة، فإذا بها تعمل بكفاءة عالية على أجهزة أبل نفسها، وتتفوق في دقتها -حسب رأي بعض المستخدمين- على خدمة سيري. لكن مما لاشك فيه أن سيري كان نقلة حقيقية في علاقة المستخدم العادي مع الأجهزة الإلكترونية، فبدأ يتواصل معها ويحادثها وكأنها شخص آخر، مع إمكانية قيامه بذلك دون أن يضطر لاستخدام يديه وعينيه، إذا كان مشغولاً بأمر آخر مثل القيادة.

أساور أب (UP) والملابس المحوسبة في مجالات الصحة واللياقة
تعودت الصحافة البريطانية أن تتابع بشكل لصيق أفراد الحكومة والبرلمان، ولا تتردد في فضح أو كشف أي ممارسة تنم عن فساد مادي أو أخلاقي أو سوء استغلال للسلطة، خاصة من الأشخاص المهمين فيهاJawbone-Up كرئيس الوزراء وطاقمه وكبار مستشاريه ومساعديه، لكن في هذا الصيف أثار أحد هؤلاء الأشخاص المهمين، وهو السيد جورج أوزبورن، وزير الخزانة البريطاني، ضجة في الصحافة المحلية وفي الأوساط المهتمة بالتقنية، ليس لارتكابه مخالفة قانونية أو أخلاقية، بل لأنه ظهر في بعض الجلسات الرسمية وهو يرتدي حول معصمه واحدة من أساور أب (UP) من منتجات شركة جابون (Jawbone)، وهي من آخر تقليعات الصحة واللياقة، التي يرتديها المرء لتقيس له بعض المعلومات الحيوية المهمة بالنسبة له كعدد الخطوات التي قام بها خلال يومه، وعدد السعرات الحرارية التي أحرقها في أثناء ذلك، وعدد الساعات التي نام فيها، وجودة نومه (عدد ساعات النوم الخفيف والعميق، الوقت الذي استغرقه ليدخل مرحلة النوم، عدد المرات التي استيقظ فيها خلال نومه، وهكذا)، وغيرها من المعلومات المفيدة للأشخاص الراغبين في إنزال أوزانهم أو المحافظة على أسلوب حياة صحي.

Jawbone_Up_review_5ومع أن هذه الإسورة التي تنتجها الشركة المذكورة وشركات أخرى لها باع طويل في عالم المنتجات الرياضية مثل شركة نايكي (Nike)، قد بدأت في الانتشار وسط أوساط الشباب المهوسين بالتقنية أو اللياقة أو الاثنين معاً منذ بضعة أشهر سابقة، إلا أن تبنيها من قبل شخص له وزنه في الحكومة، قد أسهم في تسليط الضوء عليها، وعلى غيرها من الأجهزة التي سيرتديها الإنسان بشكل عام، وليبدأ النقاش الأكثر إثارة، حول فوائدها من ناحية، وتأثيراتها الاجتماعية السلبية المرتقبة من ناحية أخرى.

جاء في بعض تعليقات الكتَّاب البريطانيين على هذه الواقعة بأن الأخ الأكبر بات لا يراقبك عبر الكاميرات المثبتة في كل مكان في مدينة لندن تقريباً، وإنما بات لصيقاً بك يحصي عليك أنفاسك، ويتأكد من أنك لا تأكل كثيراً من حلوى الكيت كات الشهيرة!

نظارة غوغل (Google Glass)
بتصميمها الأنيق، الذي يجمع بين الصلابة والخفة، تثير نظارة غوغل شهية كثيرين لامتلاكها بغض النظر عن ارتفاع سعرها المتوقع، لأنها ستتيح لمن يرتديها إمكانات جديدة، وقدرات سحرية تشبه ما كان يراه في أفلام الخيال العلمي الجيدة. الفرق هو أن هذه النظارة ستكون متاحة ليستمتع بها في يقظته وليس في شطحات خياله أو عبر أحلام مناماته.

نظارة غوغل قد تم إنتاجها فعلياً، وحالياً تتم تجربتها عبر مختلف المستخدمين المختارين حول العالم لاختبارها وتسجيل الملاحظات عليها، قبل أن تطلق للبيع تجارياً في العام 2014 كما تشير أغلب التوقعات.google-glass-800_0

تستجيب النظارة لأوامر صاحبها الصوتية، فتعرض أمام عينيه شاشة تخيلية فيها الوقت أو التاريخ، وتستجيب لندائه بأن تصور (بالفيديو أو بالصور الفوتوغرافية) تعابير وجه طفله وهو يضحك لأبيه في حين ترفعه يداه – غير المقيدتين بآلة التصوير أو الهاتف المحمول- إلى السماء! وتسمح له أيضاً بأن يشارك ما يراه مباشرة (وليكن عرضاً كرنفالياً في ساحة المدينة) مع أصدقائه في الشبكات الاجتماعية المختلفة، وتعرض أمامه خريطة الطريق للمكان الذي يرغب في الوصول إليه، بحيث لا يضطر لإزاحة يديه عن المقود، ولا إبعاد عينيه عن الطريق أمامه، ليختلس نظرة إلى جهاز الملاحة. هذا بالإضافة إلى خدمات إرسال رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل الصوتية، والرد على المكالمات، أثناء قيامه بمهام أخرى كالطبخ أو تبديل الثياب أو عبور الشارع.

ولعل الخاصية الأجمل، هي أن نظارة غوغل ستوفر ما يوفره محرك البحث الشهير، ودون لمسة زر واحدة! لنفترض أنك تسير باتجاه منزلكم فتشاهد سيارة جديدة فارهة، فتسأل نفسك عن اسم الشركة المصنعة وتاريخها، بل وسعر هذه السيارة، فيأتيك الجواب سريعاً، كما لو كنت أدخلت هذه البيانات بنفسك على محرك غوغل الذي بات في عصرنا هو مدخل منجم علي بابا العامر بكنوز المعرفة.

ولنفرض أنك قررت السفر للسياحة أو العمل إلى اليابان، ولما لم تكن إجادة اللغة اليابانية واحدة من مهاراتك المتعددة، وأنت مضطر لتسأل ما إذا كان شرابك أو طعامك يحتويان على الخنزير أو الكحول أو على زبدة الفول السوداني (وأنت تعاني من حساسية مفرطة تجاهه) فإنك ستطرح سؤالك بلغتك فتتولى نظارتك العجيبة الترجمة بلغة واضحة إلى لغة الشخص الذي تحادثه، وهكذا يصبح معك مترجمك الخاص الذي يجنبك التورط في مشكلات بسبب سوء الفهم، دون أن تكون مضطراً لشراء وجبة غدائه على حسابك!

الملابس المحوسبة: أنصار ومعارضون
المتحمسون لها الذين يجادلون بأهميتها وفائدتها يتبنون الفكر الذي يرى أن أجهزتنا المحمولة، وعلى رأسها هواتفنا الذكية، تشكل عائقاً عن القيام بالنشاطات اليومية العملية منها والاجتماعية، حيث تتسمر عينا الشخص مثلاً على شاشة جهازه فلا يعود يرى أو يشعر بما حوله. فالهدف إذاً هو إزاحة التقنية كعائق عن طريق الناس مع إبقاء الخصائص المهمة التي كانت تمنحها لهم، مثل مشاركة اللحظات الأهم في حياتهم مع من يريدون. فنظارة غوغل ستسمح لك بالتواصل والحديث مع أصدقائك في المقهى في اللحظة نفسها التي تشارك فيها مقالاً أعجبك مع أصدقائك عبر الشبكة.

وهم يرون أن ثمة فوائد لا حصر لها صحية وعلاجية وتعليمية وترفيهية ستبرز كتطبيقات لهذه التقنية الخلاقة. لنأخذ مثلاً مرضى ألزهايمر، والذين يبدأون في فقدان ذاكرتهم شيئاً فشيئاً حتى يصبحون غرباء عن أنفسهم وعمن حولهم، فبعض هذه الملابس ستمكنهم من تذكر الأسماء والوجوه، وبالتالي ستسهم في تأخير وصولهم إلى المراحل الأخيرة المرعبة من المرض لفترة أطول من الزمن. أما المعارضون فلهم كذلك أسبابهم الوجيهة، وثمة أربعة أمور رئيسة تشكل مصدر قلق فيما يتعلق بالملبوسات الإلكترونية.

أولاً، الجدوى، فهل ستكون هذه النظارات والساعات والقمصان مثلاً مجدية فعلاً للمرء في حفظ وقته وإنجاز مهامه فتستحق تكاليف إنتاجها وامتلاكها، أما أنها لن تكون أكثر من «إكسسوارت» باهظة الثمن؟

ثانياً، تشكل الخصوصية، كالعادة مع أي منتج تقني جديد، الهاجس الأكبر، فهذه الأجهزة اللصيقة بك ستجمع معلومات غاية في الدقة والخصوصية، وستعرف عنك أكثر مما ينبغي أحياناً: معدل ضربات قلبك، عدد ساعات نومك، مشروبك المفضل، عاداتك في المشي، فهل نحن مستعدون لمشاركة كل هذه المعلومات عنا؟ وماذا لو انكشفت لمن نعرفهم أو لا نعرفهم؟

فمن يضمن ألاَّ تنتهي كل هذه المعلومات في المكان الخطأ؟ بل وأين ستخزن؟ حلول حوسبة سحابية مرة أخرى؟ ومن قال إن الهواجس بخصوص هذا النوع من الحوسبة قد انتهت كلية؟ (راجع القافلة العدد 60 وتاريخ يناير – فبراير 2013: الحوسبة السحابية..هل تتغلب الميزات السحرية على الهواجس الأمنية؟).

ويرد على هذه المخاوف بعض المتحمسين بالقول إن عصر الخصوصية انتهى، ويجب تعليم الأجيال الجديدة ليس كيفية المحافظة على الخصوصية عبر التقنية، وإنما المسؤولية الأخلاقية والقانونية التي تكفل قيامهم تلقائياً باستخدام التكنولوجيا بشكل فعال وراشد في نفس الوقت، وأنه حين يخرج المرء للأماكن العامة، فكل ما يتعلق بالخصوصية قد صار متاحاً ومباحاً للعامة، وهو رأي قد يختلف معه كثيرون كلياً أو جزئياً. أصحاب رأي انتهاء زمان الخصوصية يرون أيضاً أن القضايا التي ينبغي تناولها مرتبطة باللباقة والذوق وليس بالخصوصية، ومعظم الناس بشكل عام يتصرفون باحترام ويراعون مشاعر الآخرين ورغباتهم.

2013 Google Developer Conference Continues In San Franciscoثالثاً، يأتي موضوع السلامة، هل هذه المنتجات آمنة؟ هل سيؤدي ارتداء نظارات غوغل إلى إلهاء المرء عن محيطه، فيتشتت انتباهه مما يمكن أن يتسبب في حادثة له أثناء سيره في الشارع مثلاً؟

ورابعاً، يأتي الموضوع الأكثر إثارة للجدل وهو القبول الاجتماعي. هناك تخوف من أن تتحول هذه الملابس إلى وحش لا يمكن التكهن بتصرفاته، فهناك خط رفيع كما يعتقد المتخوفون منها بين التقنية التي تعكس حياتنا وتسهل أمورنا، وبين تلك التي تسيطر عليها بالكلية. بين أن تكون ذاكرة ثانية تسعفنا لأداء مهامنا، وبين أن تتحول إلى أخ أكبر يراقبنا ويحصي علينا أنفاسنا كما في الرواية الرائعة للكاتب البريطاني جورج أورويل (1984).

وحين نتحدث عن نظارة غوغل وغيرها من الملابس المحوسبة المزودة بآلة تصوير، كيف سيضمن الناس ألاَّ يتم التقاط صورهم دون إرادتهم بل ودون معرفتهم؟ هل سيوجد قانون يلزم الناس بخلع النظارات في بعض الأماكن العامة والخاصة مثل -أجلكم الله-دورات المياه أو عنابر الولادة والمستشفيات بصفة عامة؟ ماذا سيحدث في مجتمعات إسلامية ومحافظة مثل مجتمعنا السعودي مع هذه التقنية الجديدة التي لا تقيم وزناً للخصوصية، لاسيما في التجمعات النسائية التي يفترض أن تكون آمنة من عيون الرجال الأجانب كالمدارس والجامعات وصالات الأفراح؟

هل هناك مبالغة في هذه المخاوف أم أن لها سنداً قوياً؟ أحد الممثلين عن فريق نظارة غوغل قال لمجموعة من الطلبة المتدربين في فترة الصيف، إن كثيرين يتحدثون عن الملابس المحوسبة ويجادلون في كل ماgoogle glass يتعلق بها سواء مع أو ضد، لكن قلة قليلة فقط هي التي تتبنى هذه الآراء عن معرفة حقيقية بطبيعة هذه المنتجات وتأثيراتها. إذ يستقي معظم الناس تصوراتهم عنها مما شاهدوه في أفلام الخيال العلمي، مثل آيرون مان (الرجل الحديدي) الشهير، والتي تلجأ غالباً للمبالغة في تصوير قدرات وإمكانات الملابس المحوسبة خدمة لعامليّ التشويق والإثارة المطلوبين في السينما.

مما لاشك فيه أن الملابس المحوسبة ستترك تأثيراً بالغاً في حياة الناس وفي كيفية تفاعلهم مع بعضهم ومع بيئتهم المحيطة، ولعل أقرب تأثير لها، هو ما حصل مع الشبكات الاجتماعية في المحيط الافتراضي التي أصبحت فجأة ودون أن ينتبه أحد، تمثيلاً ثانياً للمرء، بالإضافة إلى تمثيله الجسدي لنفسه على أرض الواقع. وفي النهاية، الناس هم من سيقررون مستقبل الملابس المحوسبة، سواء المضي بها ومعها قدماً إلى المستقبل مع التغلب على سلبياتها المرتقبة، أو إيجاد طرق خلاقة للتعامل معها على أقل تقدير. أما الطريق الثاني الذي قد يسلكونه فهو إفشال هذه التقليعة الجديدة من أجل حياة أكثر بساطة وأقل تطوراً، وهو ما تشير أغلب التقديرات بأنه أمرٌ مستبعد الحدوث. فعجلة التقدم تسير للأمام دوماً، وطالما نجح الإنسان في التكيف مع منجزاته الحضارية المختلفة بإيجابياتها وسلبياتها.

  المقال في مجلة القافلة

عدد 65 – نوفمبر – ديسمبر 2013

لمى والسقوط الكبير

$
0
0

لم يسدل الستار بشكل كامل على المسرحية الحزينة التي بدأت فصولها قبل شهر، حينما سقطت الصغيرة لمى الروقي (6 سنوات) في بئر ارتوازية مهجورة بالقرب من محافظة حقل (شمال المملكة)، أمام شاهدlama العيان الوحيد في القصة أختها شوق (7 سنوات). فحتى الآن لم يتم استخراج جثة لمى بالكامل، وأعمال الحفر لاتزال مستمرة، فيما أعلن المركز الإعلامي لمديرية الدفاع المدني مؤخراً أن عينات الـ DNA التي أخذت من البئر ثبت أنها تعود للطفلة لمى بعد مطابقتها مع والدها. وقبل هذا الإعلان الأخير تعددت الروايات وتضاربت ووصلت إلى ما يشبه قصص الخيال العلمي، أو إبداعات الكاتبة الشهيرة أجاثا كريستي، مع الفارق أن لمى كائن حي من لحم ودم، وليست اسما في رواية مسلية.

حظيت قصة الطفلة التي هوت في البئر باهتمام شعبي كبير، وكان للصحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي دور فعال في تغطية القضية. والاهتمام الشعبي ليس مستغرباً.. فكلنا لمى، فأي واحد منا معرض للسقوط في بئر أو حفرة نتيجة الإهمال، أما الآباء والأمهات فكان خوفهم شديداً وحزنهم مضاعفاً، فوحدهم يدركون أن من أعظم الابتلاءات التي يمكن أن يصاب بها المرء هي أن يدفن في حياته طفلاً من أطفاله، لكن كل هذا التعاطف والاهتمام لم يخدم القضية، سواء لجهة إنقاذ لمى أو انتشال جثتها بشكل كامل، أو حتى الوصول إلى الحقيقة في وقت أبكر، في وقت طارت فيه الشائعات بأخبار سيئة عن شبه جنائية بلا أدلة، فكان السقوط الكبير للجميع.

السقطة الأولى كانت في جهود الإنقاذ.. لا ينكر أحد دور رجال الدفاع المدني المخلصين والمتفانين، ومحاولتهم القيام بواجبهم بأقصى ما يستطيعون، فاللوم لا يوجه للأفراد، وإنما للجهاز نفسه، الذي كشفت الحادثة المؤلمة عن وجود خلل في التجهيز والتدريب وتوفير المعدات لمنسوبيه، بحيث يتمكنون من التعامل مع مختلف أنواع الكوارث المستجدة. أيضاً مركزيته التي قد تكون تسببت في بطء التحرك وعرقلت جهود الإنقاذ في الأيام الأولى، ناهيك عن غياب التنسيق الأولي مع قطاعات الدولة الأخرى الخاصة والعامة، ممن لديهم المعدات أو الخبرات التي كان يمكن أن تساهم في توحيد الجهود للوصول إلى الهدف، وهو ما تم لاحقاً.

article2_Quولأن الوقاية خير من العلاج، فأول مسؤول عن الحادثة هو الجهة المعنية بمتابعة الآبار المهجورة والحرص على تغطيتها ووضع اللوحات التي تنبئ الناس عن أخطارها، وهي جهة حكومية أخرى، وزارتا الزراعة والمياه، اللتان حاولتا النأي بنفسيهما عن تحمل المسؤولية، وتحميلها لمالك البئر، وكان أسلوبهما دفاعياً أكثر منه عملياً.
وزارة الإعلام أيضاً لم تكن على مستوى الحدث، ولم تبق الناس على اطلاع بما يجري، فلم توجه القنوات التلفزيونية الحكومية بأن تتواجد في موقع الحدث لتغطي الواقعة التي يرقبها وطن بأكمله، بصورة حيَّة على الهواء، كما نشاهد في كوارث مماثلة حول العالم، وبالتالي كانت مسؤولة جزئياً عن تصاعد الشائعات إلى وصلت إلى حد التشكيك بقصة سقوط لمى من الأساس، واتهام أقرب الناس بقتلها أو إخفائها لأجل الحصول على المال.

ولأنها قضية إنسانية كبيرة جداً وصارت حديثاً في كل بيت، فالأمر لم يسلم من دخول بعض أصحاب الأجندات الخاصة ليدلوا بدلوهم. فهناك من اتخذها فرصة للهجوم على الدولة، وخرجوا بالنقاش من القضية محل الاهتمام إلى فضاءات أخرى تخدم مصالحهم، لكن الأغلبية الساحقة من المواطنين والمواطنات، بحسب ما عبروا عنه في وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن يشغل بالهم إلا الصغيرة لمى، والتفكير في حالها وحال أهلها: هل سيتم إنقاذها فعلا؟ ترى هل ماتت على الفور أم إنها بقيت على قيد الحياة لبعض الوقت؟ هل كانت مدركة وواعية؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، فأي رعب عاشته تلك الصغيرة في غياهب الجب وهي تصارع وحدها الظلمة والخوف والبرد والجوع؟

وبالمقابل انشغل بعض الوصوليين والمتزلفين بالرد على هذه المجموعة، معتبرين أن جوهر القضية: الإساءة للوطن، وبالتالي لا بد من التخندق ضدهم، بل وضد القضية الأصلية نفسها، فروجوا للشائعات، وبأسمائهم الصريحة ضد أسرة الطفلة، مما يستوجب مقاضاتهم، وقد تساءل أحدهم ـ وهو يقدم نفسه كمستشار في وزارة سياديةـ بكل بجاحة: ولم كل هذه الضجة على قضية لمى؟
فبالنسبة له، سمعة الوطن التي اعتبر أنها نيل منها في هذه القضية، مع أنه لو تكررت الحادثة في أي بلد آخر لتعرضت الأجهزة ذات العلاقة للهجوم نفسه أو أكثر، أهم من حياة طفلة بريئة، كل ذنبها أنها خرجت لتعلب في الهواء الطلق على أرض وطنها.. هذا ونحن في بلد يحكم بالشريعة الإسلامية التي تغلي من روح الإنسان أياً كان، وتجعل دم المؤمن أغلى من أهم مقدساتها وهي الكعبة!

هذا النوع من البشر يقدم أبرز دليل على الوطنية الخاطئة، عندما يتم اعتبار أن نقد أخطاء أجهزة الوطن، أو طرح الأسئلة عن أسباب المشكلات، هو إساءة للوطن قد ترتقي إلى الخيانة العظمى! فيما الخيانة  الحقيقية تكمن في الرضا عن الخطأ والسكوت عن قول الحقيقة.

فسمعة الوطن التي قد تكون تضررت من جراء الحادثة يمكن استعادتها في موقف آخر تبلي فيه الأجهزة بلاء حسناً، لكن من يعيد لمى إلى حضن أمها وحجر أبيها؟
لمى سقطت في بئر عميقة تحوي الآن ما بقي من جسدها، فيما روحها عادت لخالقها، لكن غيرها سقطوا بأرواحهم قبل أجسادهم، فقد ماتت الضمائر، أو في أحسن الأحوال دخلت في غيبوبة، حين قصروا في مسؤولياتهم، أو حين حاولوا أن يحجبوا الحقيقة ويحملوا الضحية المسؤولية.

المقال في الموقع الإلكتروني لصحيفة مكة

m2

#العبدة!

$
0
0

black_white

#العبدة وسم في موقع التوصل الاجتماعي تويتر أنشأته الزميلة الكابتن نوال الهوساوي - وهي كابتن طيار حاصلة على الرخصة الأمريكية الفدرالية في الطيران- من مكة المكرمة، لتغرد من خلاله حول قضيتين مهمتين حول العنصرية. الأولى قضية خاصة وتتعلق برفعها قضية في المحاكم السعودية ضد من قامت بوصفها في مكان عام بالعبدة احتقاراً، في إشارة إلى لون بشرتها. وأما القضية الثانية فتتكلم عن العنصرية بشكل عام في مجتمعنا، وبالأخص ضد أصحاب البشرة السوداء. وأهمية هذا الوسم أنه فتح باب النقاش ضد واحد من القضايا المسكوت عنها حتى حين يأتي الحديث عن العنصرية. فقد تحدث إعلامنا بإسهاب عن العنصرية المناطقية، والعنصرية المتعلقة بالأصول، وكذلك العنصرية المذهبية، والعنصرية ضد الأجانب، وصولاً إلى التمييز الجنسي (الجندري) ضد النساء، لكن العنصرية التي يواجهها السعوديون – ناهيك عن الأجانب- من أصحاب البشرة السمراء الداكنة أو السوداء لم تنل نصيبها من الاهتمام، رغم انتشارها كما سيخبرك هؤلاء بأنفسهم. ولعل بعض المناسبات الرياضية الأخيرة تؤكد لنا مدى تغلغل هذه المشكلة. بل لعل الإعلام ساهم – بقصد أو من دون قصد- في تعميق المشكلة حين سلط الضوء على أصحاب البشرة السوداء فيما يتعلق بالجرائم أو المخالفات، ويتجاهلهم في مواضع التميز والإبداع.

بداية العنصرية ضد السود لا تزال تنخر في جسد أكثر المجتمعات الإنسانية تقدماً في مجال الحريات وحقوق الإنسان، فبالرغم من وصول رئيس أسود إلى سدة الحكم في أقوى دولة في العالم، فلا زال الأمريكي الأسود يشتكي من احتكار المناصب القيادية في الدولة وفي القطاع الخاص من قبل الأغلبية البيضاء، ولازال هناك فارق في الدخل بين الأغلبية والأقليات، وكذلك الأمر فيما يتعلق في نسبة الجرائم، والتسرب الدراسي، والمشكلات الاجتماعية الأخرى. ولم نر حتى الآن في القارة الأوربية رئيساً أسوداً. لكن الفرق بين هذه الدول والدول النامية هي اعترافهم بوجود المشكلة، وبالتالي سعيهم لحلها عن طريق سن القوانين التي تجرم العنصرية بصرامة، أو التي تلزم أرباب العمل بمبدأ “الفرص المتساوية” عند التوظيف، وعن طريق دعم حكومي وأهلي لهذه الأقليات عبر برامج تقدم لهم المساعدات المادية والمعنوية وتمنحهم ميزات تفضيلية في المنح الدراسية الجامعية بحيث تكسر الاحتكار السابق لجامعات النخبة من قبل الأغلبية.

جاء الدين الإسلامي قبل أكثر من 1435 سنة برسالته السامية التي جعلت الأفضلية بين البشر بالإيمان والتقوى، ويتعلم أطفالنا في كل المدارس العربية والإسلامية تقريباً كيف أعلى الله شأن بلال الحبشي الذي كان يوماً عبداً مملوكاً بالفعل فأعتقه أبوبكر الصديق – رضي الله عنهما- وكيف توعد بأشد العذاب في جهنم لعبد العزى بن عبدالمطلب والمعروف في تاريخنا الإسلامي بأبي لهب، وهو الأبيض الهاشمي القرشي وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكفره وصده عن سبيل الله. لكن يبدو أن هذه الدروس تنسى بمجرد أن يترك الطلاب صفوفهم أو يؤدوا اختباراتهم النهائية.

ولازال تراثنا الشعبي يعج بالكثير من الأمثال والحكم التي تعلي من شأن البياض قبل أي شيء آخر بما في ذلك المقومات الجمالية الأخرى، ولعلني اذكر مثلين معروفين في منطقة الحجاز، والتي يفترض أنها من أقل المناطق عنصرية في وطننا العزيز، ومع ذلك لم تنجو من هذه الآفة. المثل الأول يقول: “يا ليتني بيضه وليا ضب..أصله البياض ينحب”، والمثل الثاني: ” ياريتني بيضه وعرجه.. اصلوا البياض فُرجه”. وحتى إن لم نعد نستخدم هذه الأمثال كثيراً اليوم، ولكن ممارساتنا اليومية تعكس هذه النظرة. فمن المعتاد مثلاً في منطقة الحجاز أن تتزاوج الأعراق المختلفة من عربية وأعجمية، بل والجنسيات المختلفة كذلك، ولم يعد ذلك لا غريباً ولا مستنكرا، إلا حينما يأتي الأمر لموضوع اللون، فهنا يظهر الامتعاض لدى الأهالي إن لم يكن الرفض، حتى في حالة رغب الشاب والشابه بالزواج من بعضهما، وحتى في حالة الموافقة واتمام الزواج بالفعل فلا زال المجتمع يبدي دهشته واستغرابه. ويشتكي الطلبة وغيرهم من بعض الممارسات العنصرية في أماكن الدراسة والعمل، حتى وإن لم يكن بشكل صريح، ولكن أحياناً مجرد استخدام لفظ مثل “العبد” على سبيل المزاح قد يتسبب في جرح مشاعر إنسان.

نعود لقصة زميلتنا نوال، والتي أشد شخصياً على يديها لأنها اتخذت الطريق الصحيح للتعامل مع الاعتداء اللفظي الذي تعرضت له، حيث وكلت محاميين لتمثيلها، وعملت محضراً في الشرطة يوثق الحادثة، ثم تحولت القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، التي حولتها بدورها إلى المحكمة . وكما روت عبر تويتر فقد حضرت جلسات لمحاولة الصلح، وبالرغم من حزنها على أمها التي كانت تعتذر منها وترجوها أن تغفر لإبنتها، إلا أنها فوجئت بموقف الفتاة المتعنت، حيث رفضت الاعتذار رغم معرفتها بإمكانية تعرضها للجلد أو السجن أو الغرامة وغيرها من العقوبات المحتملة، فقد كانت العنصرية والنظرة الاستعلائية متضخمة عندها ومن الحدة بمكان بحيث أنها مستعدة لقبول العقوبة في سبيل عدم الاعتذار “للعبدة”!

والغريب أننا وجدنا من يستنكر على نوال الهوساوي رفعها للقضية، وأن الموضوع ” عادي وما يستاهل”، وأنهم ” حرام عليكِ ستخربين مستقبل البنت” ناهيك عن تعليقات عنصرية أخرى تطلب منها الرحيل عن هذه البلاد لأنها أصلاً مجنسة وليست من أهلها!

في المقابل شجع الكثير من المغردين والمغردات الكابتن نوال بعد معرفة القصة على عدم التنازل، ليس من باب الحقد والكراهية والانتقام، وإنما لتكون هذه الحادثة بداية لوعي مجتمعي، وإجراء قضائي، ضد العنصريين كافة. فالعفو عند المقدرة محمود لمن يستحقة، ولكن في القصاص أيضاً حياة في حالات أخرى.

قد لا نستطيع أن نغير أفكار الناس وقناعاتهم بين يوم وليلة، وقد نعجز أبداً عن إزالة العفن العنصري الذي نبت في عقولهم وقلوبهم، لكننا نستطيع أن نجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن ينطقوا بكلمة سيئة تحط من قدر أخ لهم في الإنسانية لأنه يختلف عنهم في لونه أو عرقه أو منطقته أو جنسه أو جنسيته أو مذهبه أو انتمائه الفكري.

المقال في مكة أون لاين

Viewing all 95 articles
Browse latest View live